اتَّخَذَ اللَّيْلَ جَمَلاً : يضرب لمن يعمل عَمَلَه بالليل ؛ كأَنه رَكِبَ اللَّيْل ولم يَنَمْ فيه.

والجملة قريبة من المعنى العام للآية "فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ"

"هذا الليل قد غشيكم فاتّخِذوه جملاً"

هذه عبارة من خطبة مؤثرة للحسين قبيل استشهاده في كربلاء حيث قال ليلة العاشر من محرم، وذلك بعد أن جمع أصحابه وأهل بيته وشكر الله وأثنى عليهم جميعاً، قال: ..

"... أما بعد، فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيراً، ألا وإني لأظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، وإني قد أذنتُ لكم جميعاً، فانطلقوا في حلّ ليس عليكم مني ذمام..و هذا الليل قد غشيكم فاتّخِذوه جملاً... فان القوم انما يطلبوني ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري"

"إن الحسين في خطبته هذه لم يقل لهم بأنني غريب، فلا تتركوني لوحدي، أنا المسكين المستكين، بل إنه أراد لهم بخطبته هذه أن يفهموا معنى الاستغناء والاكتفاء الذاتي للإنسان المسلم، لكنه بالطبع لم يرفع عنهم الواجب والتكليف الإلهي، ولذلك فإنه لو رأى، بعد إتمام الحجة عليهم عدم وجود رغبة منهم للبقاء معه، لكان قد أبعدهم عن ساحة المعركة فوراً، ذلك أنه لا يريد لهم الاكتواء بنار العذاب الرباني، ولأنه لو طلب منهم المدد والعون بعد ذلك ولم يتحركوا لإعانته لابتلاهم الله بالعذاب. إن درس الاستغناء والاكتفاء الذاتي هذا ليس درساً بسيطاً.... " المصدر : السيد محمد فضل الله

وطبعاً ردود أهله وأصحابه معروفة:

"لا والله لا نفعل ولكن نفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك".

وقال مسلم بن عوسجة عبارته الشهيرة: "والله، لو علمت أنّي أُقتل ثمّ أحيا ثمّ أُحرق ثمّ أحيا ثمّ أذرّى، يُفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتى ألقى حِمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة! ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا"

هناك بلاغة كبيرة في كل خطب كربلاء يستحق الوقوف عندها نصاً ومضموناً.