من المثقف؟
✍🏼 ناصر قنديل
لا نقاش حول كفاءة الكاتب أمين معلوف كمؤلف روايات تاريخية ذات بعد اجتماعي تاريخي، لكن هل تكفي المعارف والمهارات التي تؤهل صاحبها للنجاح في الطب أو الهندسة أو كتابة الرواية وحصد الجوائز، لاعتباره مثقفًا، هو السؤال الذي طرحه الفيلسوف أنطونيو غرامشي وخلص منه إلى تعريف المثقف العضويّ، أو بلغة باسل الأعرج ونزار بنات وأنيس نقاش المثقف المشتبك، انطلاقًا من أن الثقافة ليست مجموعة مهارات ولا مجموعة معارف ولا إتقان علم الكلام، والقدرة السجاليّة التي تميّز بها السفسطائيون، بقدر ما أن الثقافة هي فعل فرديّ شخصيّ لا صلة له بما يراه أو يعرفه الآخرون عنك، لتصل بك إلى حالة اليقين والوضوح في فهم الإشكاليات الوجودية فتمنحك السكينة.
.
السؤال ليس عن نجاح أمين معلوف في امتحان المهارات والكفاءات، بل عن أمرين، إنسانيته أولاً، وثانيًا مدى السكينة التي منحته إياها المعارف والمهارات الكلامية والكتابية، ليحل الإشكاليات الوجودية التي يتحدث عنها في رواياته، وقد سمعنا أمين معلوف يتحدث عن مشهد المذبحة المفتوحة في غزة فتلعثم وتأتأ، وهو القدير واللاعب المحترف في ميدان الخطابة والكتابة…. ومن سوء حظ معلوف أننا سمعنا حديثاً لسيدة لم تؤلف كتبًا لكنها أستاذة في التعليم، قرأت وناقشت مع نفسها إشكاليات الوجود والفلسفة والحياة والموت والقضايا، هي السيدة هدى حجازي، ليست لديها مؤلفات ولا حازت جوائز مثل أمين معلوف، لكنها خاضت اختبارًا إنسانيًّا شديد القسوة، لا يتمنى المرء لأحد أن يجرّبه، ويمنحها هذا الاختبار مصداقية لا يملكها أمين معلوف، ولا يحق له ادعاء امتلاكها، هي السيدة هدى حجازي ابنة الشهيدة سميرة أيوب ووالدة الشهيدات ريماس وإيناس وتالين، فتحدّثت بطلاقة أبلغ الخطباء، وبنقاء سريرة افتقده معلوف، وتدفق وثبات ووضوح وابتسامة غابت عن وجه معلوف.
.
هدى حجازي أجمل الأمهات بسكينة وجودية يحتاجها أمين معلوف، وبعمق ثقافي للهوية والوطن والموت والحياة والكرامة، يفتقدها أمين معلوف، لهذا كان متلعثماً وهو يبحث عن كيف يقيم بيننا وبين مغتصب الحق وقاتل الأطفال شيئاً مشتركاً… وأجمل الأمهات تبتسم واثقة يقينها لا شك فيه…
سنبقى نقرأ لأمين معلوف فهو بارع في الكتابة، وهذا هو النجاح المهنيّ، لكننا سنبقى نصدق هدى حجازي لأنها تملك يقين قلوبنا وعقولنا، وتلك هي مهمة الثقافة وتلك هي وظيفة الفلسفة.