ظهر على مواقع التواصل مقطع قديم لأحد مجـ.اهدي الحزب يخاطب أحد مقاتلي الصف الآخر في سوريا، ومجمل كلامه أن المنتفع بهذه الحَرْب هو الكيان، وأن تمزيق سوريا خدمة للعدو، وقال الشاب هذا الكلام بنبرة مشفقة على هذا الخصم، يكلمه فيقول له "يا صاحبي" و "يا حبيبي"، ويخبره من أقصر طريق أنه مخدوع بالشعارات الطائفية بينما قادته يتاجرون به لمنافعهم الشخصية.
من له أدنى معرِفة بكتب التاريخ الإسلامي لا بد أنه قد قرأ عن هذا المشهد كثيرًا، عن الخصمين يبرُزان من بين الصفوف ليخاطب واحدهما الآخر، ربما ارتجزا شعرًا أو ناشده الرَّحِم أو خاطبه بالحجة أو غير ذلك.
أعادَنا مشهد هذا الشَّاب الفصيح إلى خُطب الحسين المؤثرة (ع) في كربَلاء أمام جيش عمر بن سعد، يذكّرهم بفضله ويقطع أعذارهم واحدًا تلو الآخر. وأعادنا أيضًا إلى مشاهد كثيرة في سيرة الإمام عليّ (ع)، تارة وهو يخاطب الزبير قبل الجمَل ويذكره بحديث رسول الله (ص)، وتارة وهو يخرج لبعض أهل الشام أثناء صفين ويسمع منهم قولهم ويبادلهم الحجة بالحجة، وتارة وهو يخطب في أهل النهروان ويحلُم عنهم وهم يكفرونه، ويأمر أصحابه ألا يرموهم بسهم ولا يضربوهم بسيف حتى يبدأوهم هم بالقتال.
هذه المشاهد في مجموعها تخبرنا أن خط العترة ومن والاهم هو عدم اللجوء لخيار الحرب إلا عندما تُستنفد كل الخيارات الأخرى، لأن هداية ألد الخُصوم ونجاته أحبُّ إليهم من الدنيا وما فيها، وفي ذلك يقول الإمام (ع): "فوالله ما دفعتُ (أي أخّرتُ) الحرب يومًا إلا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي وتعشو إلى ضوئي، وذلك أحبُّ إلي من أن أقاتلها على ضلالِها".
كان هذا نهج السيد الأمين في التبيين، وكان دائمًا في خُطَبِهِ ما يكلّم العدو والصديق بنفس الصراحة، وصدق تميم البرغوثي عندما وصفه قائلًا: "ولم أجد في سير العرب والعجم رجلاً أشبه آباءه مثله"، والحزب بقيادة السيد ينتهج نفس الأسلوب، قيادات وأفرادا. هذه المرجعية الأخلاقية هي التي جعلت السيد يقول أن هذه المقـ.اومة هي أشرف وأنزه وأطهر وأعقل مقاومـ.ـة في العصر الحديث.
البعض يحلو له عندما يرى انصراف الناس عن الحقّ أن ينفض يديه، وأن يرد الإساءة بمثلها والعداوة بمثلها. خاصة هذه الأيام والأمة في قمة غفلتها وسُباتها، والنعرات الطائفية تُطِلّ برأسها، نحتاج إلى التمسّك بقيمة الحوار حتى مع ألد الأعداء، وإلقاء الحجة وتبيين الحقائق، عسى أن يعود شخص واحد إلى رشده، وذلك كما يقول نبيّنا صلى الله عليه وآله "خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم".
*حمر النعم: أي أجود الإبل وأحسنها