{من وراء جدر}
منذ أشهر نشرنا هذه الآية مع صورة منجنيق وجدار أعده العدو قبل الاعتداء على لبنان. وبدا المشهد مطابقا للآية الكريمة "لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى"
ثم مع تطورات المعركة، بدأنا ندرك معنى أعمق للجدر التي يوحي بها القرآن (وهذه من بركات الطوفان الذي جدد للأمة دينها). فالعدو اسلوبه القتالي كله وفلسفته العسكرية قائمة على فكرة الجدار، ليس بالضرورة سورًا أو حائطا فعليًا، وإنما هو يختار تكتيكًا يقيه شر الالتحام المباشر، كالاعتماد على سلاح الطيران لاستهداف أفراد (أو حتى فرد واحد)، إلى حد أننا وبعد عام ويزيد من معركة كبرى معهم، لم نرهم أبدا يصورون مشهد التحام مباشر، بل صار إطلاقهم النار في الهواء وعلى المنازل الفارغة مادة للتندر.
وقد شاهدنا مؤخرا قائدنا (ي. س) وهو شيخ ستيني كيف تفادوا مواجهته بشكل مباشر لوقت طويل وضربوا البيت بالمدفعية ثم أرسلوا مسيرة ثم لم يصلوا إليه إلا بقناص. ولولا انه هو من التحم معهم لم يكونوا ليجدوه.
وبعد كل ذلك، فهم يحتاجون إلى جدار مهول من الأكاذيب والافتراءات والزور الإعلامي، وجدار آخر من المنافقين والمتواطئين، وهكذا جدر تلو جدر.
هذه النفسية الجدارية الذليلة هي التي وصفها القرآن، وليس مجرد الاحتماء بالحجارة المرصوصة، فهم "أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ". وكما قال الأمين العام اليوم، 65 ألف يقفون على الحدود ويخشون الالتحام، هل هذا جيش منتصر؟
لهذا عندما كان يتحداهم السيد بقوله "يا هلا ومرحب"، ويستفزهم الأمين العام بقوله "اتقدموا شوي" فذلك لأنهما يعلمان أن الجدر في نفوس هذه الجبناء تمنعهم. ويعلمان أيضا أن هناك جدارا منيعا من الردع قد بنته سواعد المقـ.ـاومة. سد من الرعب ينتظر من يتجرأ. ثم كهوف وأنفاق من العز والكرامة لا يعرف مداها إلا الله منها ينطلق المشتبكون الملتحمون الصابرون.
وشتان بين قوم وراء جدر وقوم يأوون إلى الكهف، بين عشق الموت وبين التذلل على أعتاب الحياة. هي المسافة بين الإيمان والكفر، وهي المسافة بين النصر المؤزر والخزي العظيم القريب بإذن الله.