القرآن الكريم هو كتابٌ عن المستضعفين ولهم.
القصص القرآني في مجمله يحكي عن أطراف ضعيفة تقاوم أطرافًا قوية، سواء كانوا أشخاصًا في مواجهة سلطان ظالم
إبراهيم في مواجهة النمرود
موسى وهارون في مواجهة فرعون
أم أشخاصًا في مواجهة مجتمعات ظالمة
هود في مواجهة عاد
صالح في مواجهة ثمود
أم قلة قليلة مستضعفة اضطروا إلى مواجهة تبعات صمودهم إما بالفرار أو القتل
أصحاب الكهف
أصحاب الأخدود
سحرة فرعون
أحد مفاتيح فهم هاتين الكفتين وبعض ملامح الحكمة الإلهية من عدم تكافؤ القوى في "وعدين" في سورة الأحزاب.
عندما جاءت قريش ومعها حلفاؤها من قبائل العرب إلى المدينة محاصرين لها في غزوة الأحزاب،
قال المنافقون: "وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا"، يقصدون الوعد بخزائن الروم والفرس (فأعين المنافقين على المنافع الدنيوية والثراء)، ويسخرون من وعود النبي ﷺ بالنصر والأحزاب محدقون بهم.
أما المؤمنون، فهكذا كان رد فعلهم: "وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا"
فأي وعد يقصدون؟ يقول المفسرون أنه الوعد المذكور في سورة البقرة "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ"
أي الوعد بالابتلاء وكشف معادن النفوس وتطهيرها قبل أن ينزل الله نصره القريب، وأن هذه المعاناة لا تزيد المؤمن إلا تصديقًا للنبي ﷺ، فهذا ما وعد به.
لا عجب إذن أن يصمد الصامدون، القلائل المستضعفون الذين يرون العاقبة البعيدة، وأن يهتز المنافقون الذين لا يرون إلا ضياع المغانم القريبة. فلو كانت الكفتين متكافئتين، والنصر يبدو قريبًا، لما ظهر الصادقون ولا ابتلي الإيمان، ولما مدح الله الشهداء بأنهم "صدقوا ما عاهدوا الله عليه".