بعد انتهاء موسم الحج وعودة ضيوف الله تعالى إلى أوطانهم، يصبح السؤال الأكثر إلحاحًا على بالهم، كيفية الحفاظ على مكتسبات فريضة العمر؟ وهو سؤال يُراود كثير من المسلمين عقب انتهاء الأيام والليالي المحمّلة بالروحانيات. هناك "خِفّة" معينة يشعر بها الناس وهم خارجون من رمضان مثلًا والليالي العشر ويتمنون لو تبقى معهم طوال العام.
يخبر الله تعالى الحجاج في هذه الآية الكريمة بالسبيل نحو ذلك، ألا وهو ذكر الله واستحضار قربه باستمرار، وعلى سبيل التصوير وجههم أن يذكروه كذكر آبائهم أو أشد.
هناك من المفسّرين من قال إن المقصود هو ترك العصبيّات الجاهليّة، لأن العرب كان من عادتهم الافتخار بالآباء ومآثرهم بعد الحج، فيكون الأمر الإلهي إذن أن يستعيد الحاج أفضال الله تعالى عليه وتواتر نعمه، وكفاه أن الله قبِله ضيفًا وفضّله بذلك على كثير من خلقه. وهذا المعنى يلزم منه أيضًا أن يضع الإنسان تيجان المفاخرة بالآباء، ويكون انتماؤه للإسلام أشد من انتمائه لغيره، إذ أكرمه الله بمجاورة الحجيج على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأوطانهم.
وهناك معنى آخر للآية يحملها على المجاز، أي أن يذكر الحاج ربه كما يذكر الصبي أباه أو أمه، ويلهج مناديًا إياهما، فيُكثر من الاستكانة لله والتضرّع إليه والاستغاثة به. والحاج بلا شك من أحوج النّاس إلى ذلك لأن قبول حجه مرهون بثباته على الطاعة، ففي الحديث الشريف أن من رجع من الحج فانهمك فيما كان عليه من المعاصي رُدَّ عليه حجه.
بهذا المعنى الثاني يكون المطلوب من الحاج ذكرٌ بالمعنى المعهود، أي الذكر اللفظي بالدعاء والتوسّل وما شاكل ذلك، وذكرٌ عمليّ بتقوى الله وخشيته، وهو ما وجه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله في حديثه أن الحجاج إذا قضوا مناسكهم قيل لهم: "بنيتم بناءً فلا تهدموه، كفيتم ما مضى فأحسنوا فيما تستقبلون".
ذكر الحاج لله يقتضي أيضًا أن يكون سيره نحو الله مختلفًا، يليق بتكريم الله له. فبما أن المسلم عمومًا يؤمن أنه "من تساوى يوماه فهو مغبون" (أي من لم يكن اليوم أفضل عملًا من الأمس فقد ظلم نفسه)، فالحاج لا بد أن يعمل لكي يرتقي في معارج الإيمان أي لا يكون الرجوع من الحج مجرد فتح صفحة جديدة، بل يصبح بمثابة الدرجة الدُّنيا في سلّم صاعد نحو السماء.