Ask me before you lose me
سَلوني قبل أن تفقدوني

كان الإمام علي (ع) كثيرًا ما يقول للناس: "سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كتاب الله، فما من آية إلا وأعلم حيث نزلت، بحضيض جبل أو سهل أرض". ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله (ص) يقولها غيره. فما الذي كان يقصده بحث الناس على السؤال؟

في خطابه الأخير، وعد السيد الأمين رحمه الله بأن يجري تقييمًا شاملًا للطوفان ويلخص الدروس المستفادة. واليوم، كتب كثير من المحبين يفتقدونه، ينتظرون هذا الخطاب الموعود الذي شاء الله ألا يأتينا أبدا. ومنذ لحظة شهـ/دته والشعور الأكبر ليس القلق على المقـ/ومة أبدًا، وإنما: من سيخرج ليكلمنا مثله؟ من سيرد الأكاذيب ويطمئننا؟ ربما يكون هذا هو الفقد الأهم، أننا فقدنا فيه إجابات أسئلتنا.

يقول نورمان فنكلشتاين، إن المكسب الذي حققه العدو باغتيال السيد ليس عسكريًا ولا سياسيًا، وإنما أنهم غيّبوا بصيرة ثاقبة اكتسبها من أكثر من ثلاثين عامًا كأمين عام للحزب، وقراءة واسعة في كتابات العدو وعقليته، وأسلوبه في توضيح الحقائق ورفع المعنويات. أي أنهم أرادوا حجب هذا الكنز للأبد.

ولكن هل سيحدث هذا حقًا؟ في تأبين عمـ/د مغنية، قال السيد أنه عندما استشـ//ـهد، كانت مهمته قد اكتملت، والشهـ/دة أتت تتويجًا لمسار قد أتى ثماره بالفعل. ولم يعد هناك أسئلة جديدة لم يجب عنها بالفعل. ألم يكن أمام مغنية عقود من العطاء لو لم يمت؟ فلماذا يقول السيد ذلك، بل وأثناء تشييعه؟

عندما يقبض الله أعلام الأمة، فإن ذلك لا يحدث إلا في الوقت المناسب بالضبط، في الوقت الذي يكون كنزهم المستودع قد خرج للناس، وصار ما تبقى بعدهم كافيًا لإنارة الطريق وكشف إجابات الأسئلة الجديدة، فيصبح غائبًا بجسده، حاضرًا بعلمه وسيرته. وتعيد الأجيال الجديدة اكتشافه، وتجلّي مناقب لم تكن ظاهرة وهو حيّ، ويجيبهم دون أن يكون حيًا بينهم.

يمكننا الآن أن نرى السيد يعطي خطاب الطوفان، ومن يتابع خطاباته يستطيع أن يتخيل الخطوط العريضة التي كان سيتناولها اليوم، من تأكيد على قدرات المقـ//ومة، إلى تهديد للعدو من التصعيد، إلى تعزية أهالي الشهـد//ء، إلى طمأنة أكرم الناس وأطهر الناس وأشرف الناس كما كانت عادته. التراث الثري الذي تركه وراءه يكفينا وزيادة، عقود من الكلمات والخطابات أجاب فيها عن أسئلة الحياة والناس، عن سؤال المقـ//ومة، ماذا نفعل وكيف نفعل وإلى أين نذهب؟ كنزه هذا لم ينقص منه شيء برحيله، بل لعله ازداد بريقًا، ولكنه هو أيضًا ينتظر من يرجع إليه ويسأله..

تاريخ النشر 08-10-2024
اقتباسات أخرى ذات صلة