فهل أنتم منتهون؟ أم هي الإبادة؟

مصطفى محمود، كتاب سواح في دنيا الله
***

الحب هو روح الوجود وهو سر ديمومته، وهو النفحة الربّانية التي بدونها تَنْهَدّ أركان الشرائع جميعها وتزول النعمة وينعدم المعنى.

وبدون الحب في قلبك لا يعود لوجودك معنى، ولا لفضائلك معنى، ولا لدينك أيّ معنى مهما أطلت اللحى وبَسْمَلْت وحَوْقَلْت وصُمْت وحَجَجَت واعتمرت.

وغنيّ عن البيان أن المقصود بالحب هنا هو حب الحق، وحب الخير، وحب العدل، وحب الجمال، وحب المثل العليا، وهي جميعها أسماء الله الحسنى ومسمياته، فهو سبحانه وحده الذي له المثل الأعلى في السماوات والأرض، وهو الحق وهو العدل الحكم وهو بديع السماوات والأرض، وكل جمال في الكون يرتد إلى جماله، وكل كمال في الخلق يرتد إلى كماله.

وهذا هو الحب القديم الذي فُطرنا عليه منذ أن خاطبنا ربنا قبل أن نولد وقبل أن نجيء إلى الدنيا هاتفاً بنا: ألست بربكم.

فقلنا جميعا ونحن ننظر بتعلق وحب إلى وجهه الكريم: بلى شهدنا.

وهذا الحب هو حقيقة كل الأديان، وروح كل العقائد، وأساس كل الملل، وبدونه لا معنى لدين ولا معنى لدينونة.

وهذا الشوق النبيل هو الطاقة الدافعة وراء كل فن عظيم، وكل إبداع رفيع، وكل فكر ملهم، وكل استشهاد، وكل فداء، وكل بطولة.

وهذه النورانية فينا هي التي اقتضت سجود الملائكة وتسخير الكون لنا، وهي التي جعلت حياتنا رغم مشقاتها وعذابها جديرة بأن نحياها.

فماذا نحن فاعلون؟

أما زلنا نختلف سنة وشيعة وشوافع وأحنافا وزيودا.. وعلى ماذا؟

على ماء الوضوء يصل إلى الكوع أو يشمله، وعلى الأيدي ترسل على الجانبين أثناء الصلاة أو تضم على الصدر، وعلى نقاب أم حجاب، ولحية أم جلباب، وأذان واحد لإقامة الصلاة أم أذانين، ونجهر بالصلاة متى ونخافت بها متى، وننتظر الإمام الغائب أم لا ننتظر، ونولي الفقيه أم السياسي، ونضع أموالنا في البنك أو عند الريان.

يا سادة.. فيم تختلفون؟ ألا ترون الأيدي التي تريد أن تلقي بكم في جبّ وتهيل عليكم التراب؟.. ألا تسمعون كلام الله يدوي في آذانكم:

(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) [ الأنبياء : 92 ]

ألا تسمعون وعيده و تهديده وهو يقول:

(وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) [ محمد : 38 ]

وإنه ليوشك أن يفعل إذا استمر خلافنا.

وفيم الخلاف وقد آذن الموت باقتراب وأطبق علينا التآمر من كل جانب.

وكيف يختلف أهل توحيد وأهل فطرة، دينهم أبسط وأوضح من نور النهار، أوجزه نبيهم في كلمات:

"قل لا إله إلا الله ثم استقم".

وإذ يوشك الظلام أن يشتد، ويملأ تجار السوء الأرصفة ببضاعتهم الفاسدة، ويتنادى أبالسة الشقاق ليشتتوا الناس شراذم وجذاذات.. بينما تزحف علينا العداوات من كل جانب ونحن في غفلة، لا أملك إلا أن أصيح بالكل.. أن انتبهوا.. واستقيموا يرحمكم الله.. وسدّوا الفرج.. وضمّوا الصفوف.. فليس أولى بالوحدة منّا نحن عباد الواحد.. فليس عندنا كثرة من الآلهة نختلف عليها، وإنما هو إله واحد، ونبينا واحد، وقبلتنا واحدة، وصلاتنا واحدة، ولا خلاف بين سنة وشيعة فكلّنا بحب أهل البيت مشغوفون، وبسيرتهم مغرمون، وسيدنا علي هو سيد شباب أهل الجنة، وهو في أعيننا سنة وشيعة.. والطقوسية ليست بضاعتنا.. وإسلامنا ليس ضد النصارى بل هو معهم ما تعاونوا وما تحابوا.. والذين قتلوا مسلمي البوسنة ليسوا بنصارى بل هم وحوش لا ملة لهم ولا دين.. ولو كانوا نصارى لمنعهم إنجيلهم الذي يقول أحبّوا أعداءكم.. وأتباع عيسى بحق وأتباع محمد بحق هم على طريق واحد وهو طريق موسى وطريق جميع الأنبياء فكلمة الله لجميع أنبيائه واحدة، ولكن صهاينة اليهود خانوا توراتهم، واتبعوا أهواءهم، واتخذوا من التلمود والبروتوكولات دستورهم.. وصليبية اليوم ليست صليبية نصرانية بل صليبية صهيونية يهودية.

وأقول لكم.. اتفقوا وتناصحوا وتحابّوا وتآخوا وتماسكوا صفا واحدا.

وإذا كان ربنا يقول إنه لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.. فإن ما بأنفسنا الذي يريد ربنا أن نغيّره هو هذه الأنانية والعصبية والطائفية وعبادة الرأي وعبادة النفس وعبادة الهوى وحب الدنيا والانغلاق على شخصانية ضيقة غبية عمياء لا ترى إلا لشبر واحد أمامها.

وأتوجه بهذا النداء إلى 47 دولة إسلامية فيها أكثر من نصف كنوز الكرة الأرضية وأغلبها يتسوّل طعامه ويقترض مصروف يومه.. وأقول لهم.. منظركم عجيب وأنتم كالإبل الشاردة لا تجتمع على كلمة.. ألا تسمعوا حادي الصلاة وهو ينادي عليكم:

استقيموا يرحمكم الله.. وسدّوا الفرج.. وضمّوا الصفوف.

إنما يريدها سنّة حياة لا تعليمات لمدة خمس دقائق. فصلاة المسلم هي مؤشر لحياته، ولا صلاة لكم وأنتم ممسكون بعضكم بخناق بعض.

فاجتمعوا وتحابّوا واتحدوا فقد تداعت عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها وأنتم كثير ولكن كغثاء السيل الذي انفرط وتفرّق بددا.

فهلّا اجتمعتم.. قبل أن يأتي عليكم الطوفان؟ أليس فيكم رجل رشيد؟

عجبت لكم.. أراكم في الصلاة تتوجّهون بالملايين إلى كعبة واحدة في مكة.. فإذا انقضت الصلاة انفرط الجميع وتفرّقت بكم الطرق.. فمنكم من كعبته واشنطن.. ومنكم من كعبته باريس.. ومنكم من كعبته جنيف.. ومنكم من كعبته إسرائيل.. ومنكم من كعبته صندوق النقد الدولي.. ومنكم من كعبته السي آي ايه.. ومنكم من كعبته نفسه.

فأي نجاح تنتظرون وكل منكم حرب على الآخر؟ هل أرسلتم النظر لأبعد من أقدامكم؟ فالموت على الباب والله من ورائكم محيط وما تبقى من عمركم لحظة.. ثم لا يعود يُغني مال ولا بنون ولا جاه ولا ملايين الدولارات في بنوك نيويورك ولوكسمبورج ولندن.

لقد قرّرت إسرائيل يا سادة أن تقيم دولتها الكبرى على أكتافكم.. على أكتاف عداواتكم وتفرّقكم. وقرّرت أن يكون ذلك في السنوات القليلة القادمة. فهل أنتم منتهون؟ أم هي الإبادة؟

***
مصطفى محمود، كتاب سواح في دنيا الله

تاريخ النشر 03-09-2024