فقه الأولويات

يقول الله تعالى: " اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ" (الأنعام: 124)

فترة المحن والتمحيص التي تمر بها الأمة الآن أكسبت السيرة النبوية رونقًا جديدًا، لأننا صرنا نفهم لماذا أذاق الله أمة الإسلام الناشئة وخير الخلق أجمعين ألوانًا من البأساء والضراء، وأحاطهم بحبائل الكيد والتضليل، حتى إنك إذا قرأت السيرة الآن تندهش من بديع صنع الله أن ابتلاهم ببعض الأمور التي تتضح حكمتها الآن.

فجعل المنافقين يبنون مسجدًا ضرارًا للتآمر والتفرقة، فهدمه النبيّ صلى الله عليه وآله لكي يعلّمنا أن الأمة أهم من المسجد، فأي عمار للمساجد والأمة متفرّقة يتربص بها؟

وجعل المشركين محتلين لأقدس بقعة في الأرض، وأبى إلا أن يفتحها النبي ﷺ عليهم عنوة، لكي يعلم الناس أن القتال عند المسجد الحرام وإن كان كبيرًا، فالصد عن سبيل الله وفتنة المؤمنين أشد.

وأخبرنا على لسان نبيه ﷺ أن هدم بيته العتيق حجرًا حجرًا لا يوازي دم امرئ مؤمن.

فقه الأولويات الذي أتى به هذا الدين من أسمى ما يبلغه الإنسان في الوعي قبل العقيدة. ألا يستغفلك من يختبئون خلف الشعارات، أن تظل بصيرة الإنسان هي ما يرشده، نعم قد يرى أمامه مسجدًا ولكن هل هو ضرار أم لا؟ يسمع قول حق ولكن هل يراد به حق أم لا؟

ولا يُكشف الغطاء في الآخرة إلا لمن جاهد وكشف عن نفسه غطاء هواها في الدنيا.

تاريخ النشر 01-09-2024