لاحظوا يعاتب ويخاطب الله سبحانه في هذه الآية (وفي آيات كثيرة أخرى) المؤمنين. لأن المجتمع الإيماني يحتاج إلى هزة روحيةٍ- بل هزات- تخاطب أفكارهم ومشاعرهم.
يقول العلامة محمد حسين فضل الله، صاحب تفسير «من وحي القرآن»:
قد يكون هذا الحديث منطلقاً من حالة جفافٍ روحي عاشها المسلمون آنذاك، ما جعل الذكر يفقد روحيته في قلوبهم، كما أبعد الإسلام عن مواقع العمق في عقولهم، الأمر الذي فرض الحاجة إلى نداءٍ إلهي قوي، يحذرهم من ذلك، من خلال التأثيرات السلبية التي تمنعهم من الاندماج في محبة الله، والانسحاق أمام مشاعر الخوف منه، ليكون الله مجرد اسم في الذاكرة، ويتحول الإسلام إلى صورة جامدة في الخاطرة، {وَلاَ يَكُونُواْ كَالَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبلُ}، حيث تحوّل الكتاب عندهم إلى عنوان لا يحمل في داخل قلوبهم شيئاً من معانيه، والدين إلى انتماءٍ فارغٍ من الروح لا يؤكد خطه في الحياة الفكرية والعملية لهم، أما اسم الله، فيتحول إلى إلهٍ قوميّ لا ينفتح على الناس كلهم بمحبته ورحمته، بل يختصهم بها، أو يبقى في أفكارهم جامداً لا يحمل أية نبضة حياة {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ} وابتعدوا عن حيويّة الرسالة وروحانية الرسول في انطلاقتها الحية القوية الواعية، فتحولوا إلى تقليديين يتخذ الدين عندهم صفة العادة الجامدة في شخصياتهم، {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} وفقدوا الخشوع لذكر الله، فلم يبكوا خوفاً من عقابه، ولم يخضعوا رجاءً لثوابه، ولم يرجعوا إليه، أو يجلسوا بين يديه في شكوى العبد لسيِّده عندما تحلّ به المشاكل، أو تحاصرهم الأزمات، أو يشتدّ بهم الحرمان، بل يرجعون إلى عباده، ويعتمدون على أنفسهم، بعيداً عن الله.