الخيال العربي مهووس بالشجاعة والفروسية وقصص القتال والفتوحات، بل لعله يُعلي من حكايات المعارك أكثر من التفاته إلى ما هو أرقى من ذلك كالتقوى وطلب الحق والقيم الإنسانية العليا التي تزين جُند الله حتى وهم في حومة الوغى.
على أهمية الشجاعة والفروسية، إلا أن لا قيمة لها إن لم تحكم هذه القوة بوصلة أخلاقية هدفها إعلاء كلمة الحق وإحقاق العدل. وقد لفت القرآن الكريم النظر مرارًا إلى أن المؤمن ينبغي له ألا يعجبه كثرة الأموال ولا بسطة الأجسام ما لم يزينها التقوى. فمن يغتر بالقوة فقد سبقه من هو أقوى، وإنما المعيار هو المبدأ الذي يحرك تلك القوة، أهو رغبةً في الله أم رغبة في الجبروت؟
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿غافر: ٨٢﴾
لذلك طالما يثير استغرابنا هوس المسلمين إلى حد التقديس ببعض الشخصيات في التاريخ الإسلامي حتى وإن لا يعرف عنها سوى فروسيتها وبأسها في القتال وبالرغم من عدم اتساق أفعالها في الحروب (وفي غير الحروب) بتعاليم الرسول والإسلام التي من المفترض أنها تحارب لإعلاء رايتها.
هناك فصل تام بين الفعل والفاعل والفعل والنتيجة. وكأن العقل العربي مبرمج على أن يستقر على هذه المعادلة: الفعل مذموم ولكن لا يعيب الفاعل. الفعل قبيح ولكن إذا كانت نتيجته لصالحنا فلنغض البصر. وهذا منهج خطر جدًا يكاد يكون منشأ فكر كل حركات الإرهاب التي تنطلق من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة. عليك أن تختار أيها المسلم: إما إسلام محمد صلى الله عليه وآله (إسلام الحق والعدل والقتال لكي تكون كلمة الله هي العليا) وإما إسلام الطلقاء (إسلام الأفواه دون القلوب، إسلام سفك الدماء طمعًا في الغنائم والمكاسب والمناصب).