"رأس الحكمة مخافة الله"
هذه العبارة منسوبة إلى النبي صلوات الله عليه في حديث ضعيف، ولكنها شاعت عنه وكثُر استخدامها في لوحات الخط العربي والمساجد، بل وفي قصور السلاطين.
وردت العبارة بنصها في الكتاب المقدس (سي 1: 16)، ويليها وصف للحكمة بأنه "عَطِيَّةٌ مِنَ اللهِ"، مثل ثناء الله تعالى في قوله: "وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا"
فما هي مخافة الله التي تعد تتويجًا للحكمة؟
هل المعنى مقتصر على التقوى وزجر النفس عن المعاصي والمحارم كما ورد في تفسيرات آية: "وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ"؟
يذهب الكاتب زكي نجيب محمود في مقاله المعنون، "رأس الحكمة مخافة الله" إلى رأي آخر. إذ يفسر مخافة الله بأنها عدم الالتفات للناس والتجرد من الهوى في سبيل الحق. فالحكمة في جوهرها هي صواب "الحُكمْ"، وإن الإنسان لا يبلغ هذه الحكمة ما لم يكن حر الرأي لا يخاف أحكام الخلق، فيقول:
"وإنك لتبلغ من تلك الحكمة منتهاها الذي هو في وسعك أن تبلغه إذا أنت لم تخف أحدًا سوى الله، الذي هو «الحق» سبحانه وتعالى، أما إذا أخذتك الرهبة أمام إنسان من البشر؛ فقد عرَّضت صواب فكرك للضياع"
أي أن مخافة الله أُعطيت هذه المكانة السامية لأنها هي الحصن الحصين ضد التفكير في آراء الناس، وهي الضمان لأن يصل الإنسان للحكمة متجرّدًا من الأهواء وقادرًا على أن يرى الأشياء على حقيقتها، فيرى الحق حقًا ويرى الباطل باطلًا، ثم يرتقي إلى الإيمان فيتبع الحق دون معاندة، ويجتنب الباطل دون مكابرة.