فضيلة العفو من الفضائل النبوية السامية التي نرى معالمها في السيرة النبوية وسيرة آل البيت عليهم السلام وتوضح لماذا كانوا أعلامًا للناس قبل أن يكونوا أئمة في الدين. فالقرآن الكريم يأمر في أكثر من موضع بالعفو والصفح، بل ومقابلة السيئة لا بالحسنة فقط، ولكن بالتي هي أحسن، يقول تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"
وهذه الفضيلة، وإن كان كل إنسان يستطيع تمثلها وممارستها، حتى وإن كان في موضع ضعف (مثل النبي ﷺ في أوائل البعثة وصبره على المكاره والأذى)، فإنها تكون أسمى ما يكون عندما يختار الإنسان العفو عند المقدرة وعند الحق.
في المنشور بعض من هذه المواقف، أولها موقف النبي ﷺ من أهل مكة الذين حاربوه وآذوه وحاصروه وطاردوه وهذا موقفه عندما عاد منتصرًا ولو شاء لجازاهم بما فعلوا.
والموقف الثاني هو موقف للإمام علي عليه السلام في موقعة صفين، حيث وجد جماعة من أنصاره يسبون أهل الشام، فنهاهم عن ذلك وأمرهم بالخير، وقد كانت موقعة صفين شاهدة على موقف من هذا الطراز أيضًا، ففي موقع المعركة كان هناك مصدرًا واحدًا للماء، فكان الإمام علي إذا احتله بجيشه تركه للخصم ليشاركوهم في الشرب، وإن احتله الخصم قالوا "موتوا عطشًا".
أما الموقف الثالث فهو للإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام وقد نال منه أحدهم فرد هذا الرد الحليم.
صحيح أن هذه الفضيلة تنبئ عن حلم صاحبها، ولكنها كذلك تنبئ عن قوة النفس والتحكم في نوازعها، فالحديث الشريف: "ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، لا يخصص نوعًا من الغضب، فالإنسان قد يغضب لله ويحق له دفع السيء بالسيء بمبدأ العين بالعين، وإنما القوي حقًا هو من يختر السبيل الأصعب ويدفع بالحسنى.