Work ye, sons of David, with thanks! but few of My servants are grateful!
اعملوا آل داوود شكرًا

للقرآن سطوة في النفوس ليس كمثلها شيء، وبعض المقاطع من آياته تشتهر ويعرفها القاصي والداني ولكن هذا قد يؤدي إلى تغييب سياقها الأصلي ويجعلها مجرّدة عن مقصودها.

منها مثلًا هذا الجزء من آية سبأ، وفيها يمتنّ الله على سليمان عليه السلام بأن سخر له الجنّ. ويقول "اعملوا آل داوود شكرًا". ويفهمها كثير منا على أنه أمر بشكر الله على نعمه بحمده مثلًا أو بكثرة الصلاة أو العبادات. وهذا صحيح بالطبع ولكن السياق يشير إلى أمر إضافي.

ولكي نفهمها في سياقها، لا بد أن نعود إلى الوراء قليلًا وننظر إلى المراد.

يقول الله لداوود عليه السلام:

وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ‎﴿١٠﴾‏ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‎﴿١١﴾

ويقول لسليمان عليه السلام

..وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ ...‎﴿١٢﴾‏ .. اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ‎﴿١٣﴾

إلانة الحديد وإسالته وعمل الدُّروع... هذا هو العمل الذي يريده الله منهما، فكلا النبيان كان ملِكًا وكان مُحارِبًا، وشكر هذه النّعمة بالذات هو أن تُستغل هذه الدروع في الجِهاد بالحق والحكم بالحق.

وليس المنتظر منهما عليهما السلام محض العمل الصالح الذي يُنتظر من أفراد النَّاس. فمن أعطاه الله القُدرة وألان له حديدًا، فشكر النعمة هو أن يستغلها إلى أقصى مداها وأن يسخرها من أجل الله.

والحديد في القرآن الكريم رمزٌ لأخذ المواهب الربانية بحقِّها، وإلى الوصول للبصيرة بحقيقة المطلوب من العباد. وفي ضوء هذا الفهم يتضح معنى آية الحديد:

" لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ‎﴿الحديد: ٢٥﴾‏"

لماذا اقترن الحديد بالميزان؟ لأن الميزان لا يعتدل إلا ببأس الحديد، والحديد لا ينتصر إلا باعتدال الميزان، وأخذهما بحقهما هو شكر النعمة المطلوب من الرُّسل ومن الربانيين في الأرض.

وأنت تشاهد بأس مقاتلي المقاومة وإثخانهم في عدوهم رغم ضعف المصادر والإمكانات، استحضر معنى "الإلانة" الذي وهبه الله لداوود، فهو كما مكنه من صنع الدروع بيسير جهد، مكنهم من تحقيق عظيم النصر بقليل المقدّرات. وهؤلاء هم ورثة الأنبياء، العالمين بحق الله والعاملين له شكرا.

تاريخ النشر 28-07-2024
اقتباسات أخرى ذات صلة