you will see their eyes overflowing with tears
أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ

يصفُ الله تعالى في هذه الآية تأثير القُرآن على النفوس التي تصغي إلى الحق، بأن يبكون بالدمع الغزير كأنه الفيض. تمتلئ نفوسهم بمعانيه وبشدة سطوع النور الإلهي فيه، فلا يستطيعون التعبير إلا هكذا، بُكاء الخشوع والخشية.

يقول سيد قطب في تفسير هذه الآية: "وهي حالة معروفة في النفس البشرية حين يبلغ بها التأثر درجة أعلى من أن يفي بها القول، فيفيض الدمع، ليؤدي ما لا يؤديه القول؛ وليطلق الشحنة الحبيسة من التأثر العميق العنيف".

هذه الاستجابة التي ينتظرها القُرآن، بل ويجعلها علامة الإيمان، أن يسمعه المؤمنين فـ "يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا"، أن يستثير فينا كلام الله الدموع فتتطهر الروح من أدران ذنوبها، ما حظّنا من ذلك؟ وكيف نحمي أنفسنا من أن نكون كمن جعل الله "قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً"؟

الإجابة في حديث رسول الله (ص): "إنَّ هذا القرآنَ نزلَ بحُزْنٍ فإذا قرأتموهُ فابكوا فإن لم تبكوا فتباكَوا". أي أن يقرأه الإنسان وهو يستحضر هذه الحالة الشعورية، ويدع المعاني تُرقِّق قلبه، أي أن نكون كمن وصفهم الإمام علي (ع) بأنهم يتلون أجزاء القرآن، "يرتلونه ترتيلا، يحزنون به انفسهم".

ومما يُروي عن النبي (ص) أنه كان يصلّي ولجوفِهِ أزيزٌ كأزيزِ المِرجَلِ (أي ينشج بالبكاء). وكذلك حُكي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قُرئ عليه من الحواميم حتى إذا وصل القارئ إلى آية "والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤن عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير" بكى أمير المؤمنين حتى ارتفع نحيبه. بهذه الدموع الزكيّة تزكو النفس وترتقي، أما التلاوة التي لا تجاوز الحناجر فالأجدر أن يُستعاذ منها.

وكان أول ما يدعو به الإمام عند ختم القرآن كما علمه النبي صلوات الله عليهما: "اللهم إني أسألُكَ إخباتَ المُخبتينَ.."، والمخبتين بالتعريف القرآني أولى صفاتهم أنهم: " الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ".

ما حظ عيوننا وقلوبنا إذن من هذا الفضل في رمضان؟ ألا نكون كقارئ القرآن الخاشع الذي وصفه الإمام الباقر (ع) بأنه "وضع دواء القرآن على داء قلبه"، أم يمر الشهر الكريم و"نختم" القُرآن ولم ندمع لله ولو مرة؟

عياذًا بالله أن نكون ممن "رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ".

تاريخ النشر 08-03-2025