وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً

عجيبٌ هذا القُرآن، لا يُستنفد حُكمُه، ولا يُسبر غورُه. لا يزال يُفسّر لنا أمسنا ويومنا وغدنا تفسيرًا دقيقًا كمبضع الجرّاح كأنه نزل حالًا...

منذ يومين، كتبنا نحذّر من نبرة جديدة بدأت تتصاعد بين الصفّ المُعادي للمقـ//ومة، وخاصة بعض النُّخَب المعروفة، تريد أن تجعل الأبطال والمجرمين سواسية. كلام هؤلاء كما قلنا حينئذ يدور حول: "أننا كلنا فاسدون.. كلنا قتلة ومجرمون فلا يجوز لكم يا مجرمي الأمس أن تحاكموننا مجرمي اليوم".

وخلال نفس اليوم، أطلّت علينا وجوه مختلفة تكرر نفس الكلام بصياغات مختلفة، كلها متهافت والكذِب فيها بلا خجل، مما جعلنا نتساءل، لماذا يصمم هؤلاء على إقحام المقـ//ومة في شأن لا علاقة لها به؟ ولماذا يستدعون سيرة من ضحى بأغلى ما يملك لأشرف قضايا الأمة من أجل أن يمرغوا سمعتهم في وحل خبثهم وحقدهم؟

لماذا؟

ألا يمكن لضيوف القنوات المشبوهة كالجزيرة ومثقفي الزُّور على الأقل أن يتركوا الصورة النقية كما هي دون أن يحاولوا تشويهها فتفتضح سريرتهم؟ ألا يمكنهم أن يبرّئوا المجرم دون أن يدينوا البطل؟

ثم مررنا بهذه الآية من سورة النساء التي تتحدّث عن نفوس المنافقين، وتشخّص مكمن الدّاء فيها. يقول تعالى: "وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ". فأجابت كل التساؤلات

القرآن يقول إن هؤلاء المنافقين قد اشتروا الضلالة وقبضوا الثمن، قرروا بكل وعي أن يلبسوا الحق بالباطل وهم يعلمون. لكِن هذا القرار له تبِعاته النفسية التي يصفها أمير المؤمنين (ع) بقوله: "نفاق المرء من ذل يجده في نفسه". أي أن اختيارهم لهذا المسار دافعه ذل وصغار في أنفسهم يحسّونه ويخافون أن يظهر للآخرين. ولذلك فهم في حالة ترقّب دائم أن يكتشفهم أحد "يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ".

وفي هذا التوجس الذي لا ينتهي يقول الله تعالى: "يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ".

هذا الحذر يجعلهم دائمًا يحاولون تشويه كل جميل، ورمي الشرفاء بكل نقيصة، يعرفون أنهم سقطوا، فيريدون أن يسقط الكل. هدفهم أن يكون الكل "سواء". في خطبة له، يصف الإمام (ع) المنافقون بأنهم "الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ، وَالزَّالُّونَ الْمُزِلُّونَ يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً، وَيَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً". أي أنهم ضلوا، فيريدون أن يضل الناس كلهم، وزلّوا في المهاوي الأخلاقية، فيريدون أن يتردى النّاس كلّهم.

عندما نفهم أن هذه الاتهامات التي تُوجّه للشرفاء هي صرخة من روح متمزّقة، سنعرف أنه ما من أمل في النقاش مع هؤلاء. بل إن القُرآن نفسه يقول إن هذا جُهد لا طائل منه عندما يسألنا "أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ؟".

المنهج القويم إذًا هو أن نتبع الوصفة القُرآنية: "وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا".

علينا أن ننبذهم ولا ننشر آراءهم ولا نتبع مشورتهم، وأن نتجاهل أذاهم وأكاذيبهم وتدليسهم، وأن ندع الله يتكفّل بتبرئة ساحة المؤمنين والدفاع عنهم، أو أن نعير الله عقولنا وأيدينا ليستعملنا في ذلك، والله متم نوره ولو كره الكافرون.

تاريخ النشر 11-03-2025