When (will come) the help of Allah
مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ

حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا جاءهم نصرنا (يوسف: ١١٠)
حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب‎ (البقرة: ٢١٤)

هاتان الآيتان كانتا مصدر طمأنينة كُبرى خلال الطوفان وحتى الآن لأنهما تشعرانا بأن الصدمات والابتلاءات المتتالية والمشاهد الفظيعة التي نشهدها لها حِكمة، وأن حتى الرسل وخاصتهم من المؤمنين أحيانًا يستبطئون الفرَج. كل آية منهما كانت تربط على القلوب أن هذه هي سُنة الله وعلينا بالصبر والانتظار.

لكن التأمُّل في الآية الأولى تحديدًا وسياقها يجبر الإنسان على أن يتوقّف ليسأل نفسه.. لماذا أتت هذه الآية الأولى في سورة يوسُف؟ وما علاقتها بسائر السورة؟ عندما نتخيّل زلزلة الرُّسُل والمؤمنين معهم، نتخيّل مواجهة كُبرى مع المشركين والصفوف بعضها بإزاء بعض تستعد للقتال. لكن قصّة يوسف (ع) ليس فيها ذلك، وإنما كل أحداثها تدور على صعيد ضيّق يختص بيوسف وإخوته، وليس هناك صراع بين الإيمان والكُفر كما نجد في قصص رُسُل مثل صالح وهود ولوط عليهم السلام، ولا مواجهة كُبرى على هذا المستوى.

ربّما يكون في ذلِك إلماحة من القرآن إلى أن النصر الإلهي عندما يتنزل على الجماعة المؤمنة، فإنه يأتي من خلال أثر الفراشة الذي نراه بشكل متكرر في الفرج الشخصي.

إذا نظرنا إلى آية البقرة في المنشور، سنجد أن السؤال بـ "متى؟" الذي يوحي باستبطاء النصر يعني أن المؤمنين لا يرون في الوضع من حولهم المُقدّمات الموضوعية التي تقول إن المعركة سائرة في اتجاه الحسم. ولذلك يريدون إجابة من جنس ما قاله صالح (ع) لقومه: "فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ" ‎﴿هود: ٦٥﴾‏، هذا الحَسْم واليَقين الذي حصل عليه المؤمنون مع صالح (ع) هو ما نتمناه أحيانًا.

لكن قصة يوسف (ع) في فصولها المختلفة تريدنا أن نبتعد عن هذه الطريقة في التفكير. فالأحداث لا تسير بحتمية صارمة، وإنما هي مجموعة من "المصادفات" غير المُحتملة.. كان من الممكن ألا تمر القافلة لتلتقط يوسف (ع) من البئر، أو كان من الممكن أن تمر قافلة تأخذه إلى بلد بعيد فلا يلتقي بإخوته أبدًا. كان من الممكن أن يشتريه واحد من عامة الناس وليس عزيز مصر، وهكذا حتى تحقق رؤياه عليه السلام. عند كل مُنعطف، كانت يد الله تحرّك الأحداث بشكل غير متوقّع، تمامًا كما حدث في معركة بدر عندما جعل الله الجيشين يلتقيان في وسط الصحراء، "وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ".

على المستوى الفردي، أغلبنا جرّب انفراج الهم من حيث لا نحتسب، مجموعة من المصادفات والموافقات الغريبة التي حلّت عقدتنا فجأة، والتي نستغرب كيف رتّبها الله هكذا، ولا يكاد من حولنا يصدقوننا عندما نحكيها. كيف نجانا الله من فُلان، أو وهبنا الشيء الذي كُنا نتمناه، أو أنقذنا من هذا الدَّين أو هذه الضائقة. هذه المواقف التي ذكرَنا الله فيها، والتي تملأ نفوسنا باليقين أنه (عز وجل) موجود ويرعانا، هي التي نتوسل بها إليه في دعاء الافتتاح عندما ندعو: "فَكَمْ ياإِلهِي مِنْ كُرْبَةٍ قَدْ فَرَّجْتَها، وَهُمُومٍ قَدْ كَشَفْتَها، وَعَثْرَةٍ قَدْ أَقَلْتَها، وَرَحْمَةٍ قَدْ نَشَرْتَها، وَحَلْقَةِ بَلاٍ قَدْ فَكَكْتَها".

أثناء الطوفان، انتشر مقطع للحاج عبد القادر يقول فيه إن الوعد الإلهي يأتي من حيث لا نحتسب. وهذا حقّ، يريد الله أن يكون تحقق وعده حُجّة قاهِرة لا تخضع للسير المعتاد للأحداث، وإنما بتراكم تدريجي للحظات من لطفه الخفيّ، بأثر الفراشة كما تشهد قصة يوسف عليه السلام، ولعل هذا من أسباب وصف قصته في أول السورة بأنها من "أَحْسَنَ الْقَصَصِ"، بما تربط بين الفرج الشخصي والفرج الجمعيّ.

تاريخ النشر 14-03-2025