منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، كان الموقف تجاه فلسطين واضحًا وحاسمًا. لم تكن هناك مساومات أو حسابات براغماتية، بل كان أول القرارات المصيرية هو طرد السفير الإسرائيلي وإغلاق سفارة الكيان الصهـ/ـيوني، وتسليمها للفلسطينيين، في موقف يعكس الالتزام المبدئي تجاه القضية الفلسطينية باعتبارها القلب النابض للمشروع الإسلامي المعاصر. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أطلقت إيران يوم القدس العالمي، ليبقى هذا اليوم شاهدًا على استمرار النضال حتى تحرير فلسطين بالكامل.
يأتي يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان ليؤكد أن فلسطين ليست مجرد قضية من بين قضايا المسلمين، بل هي القضية المركزية للأمة، وهي ساحة الصراع الأساسية مع المشروع الغربي. في هذا اليوم، تتجدد المسؤولية التاريخية والدينية والسياسية لكل أحرار العالم، لتأكيد أن القدس ليست قضية قابلة للتهميش أو التأجيل، بل هي بوصلة الصراع بين الحق والباطل.
لكن الإشكالية اليوم تكمن في أن التعامل مع القضية الفلسطينية ليس واحدًا في العالم الإسلامي. فهناك تيار يضع فلسطين في سياق مشروع أوسع لتحرير الأمة الإسلامية، لكنه يؤجل النضال الحقيقي بذريعة عدم اكتمال التمكين، مما يحوّل القضية إلى ملف هامشي بدلًا من أن تكون في صدارة الأولويات. ومن جهة أخرى، نجد أنظمة علمانية مستسلمة، خاضعة للاستعمار الفكري والسياسي، تتعامل مع القضية بمنطق المصالح والتحالفات، متجاهلة البعد الديني والتاريخي للصراع، بل وتساهم في التآمر على المقاومة والتطبيع مع العدو.
في هذا السياق، طرح الدكتور فتحي الشقاقي رؤيته حول العلاقة بين الإسلام وفلسطين، محذرًا من وجود "إسلاميين بلا فلسطين، ووطنيين بلا إسلام"، مؤكداً أن فلسطين هي مفتاح تحرير الأمة، وأن أي بوصلة لا تشير إليها فهي مشبوهة. فالقدس ليست مجرد مدينة محتلة، بل هي المعركة الفاصلة التي ستحدد مستقبل الأمة الإسلامية، وأي محاولة لنهضة الأمة ستظل محاصرة إن لم يُحسم الصراع في فلسطين.
إن يوم القدس هو يوم إعادة ضبط البوصلة، وهو يوم الفرز بين من يتمسكون بالقضية كقضية إسلامية وإنسانية عالمية، ومن يتخلون عنها بحسابات ضيقة. وفي هذا اليوم، نؤكد أن تحرير فلسطين هو الطريق الوحيد لتحرير الأمة الإسلامية بأكملها، وأن بقاء جذوة النضال مشتعلة فيها هو مسؤولية الجميع، في طريق التحرر والنهضة.



