الانتصار بالنقاط: وما بدّلوا تبديلا
ما الذي يجعل مشروعًا مقاومًا يصمد لعقودٍ وهو يتلقى الضربات من كل جانب، دون أن ينحني أو يتنازل؟ ما الذي يجعل مجاهدًا تحت القصف، يقف ثابتًا في موقعه كأن عليه أُنزل القرآن؟
إنه الثبات، لا كصفة ساكنة، بل كقيمة فاعلة تخلط الإرادة بالدم، وتُراكم الوعي من تحت الأنقاض.
الثبات في زمن الإبادة هو رفضٌ للتكيّف مع الباطل، وهو أعلى مراتب الصدق في معركة الحق. وهو في هذا المشروع القرآني ليس خُلقًا فرديًا فحسب، بل روح جمعية، تثمر أجيالًا لا تتبدّل، وإن تبدّلت الجغرافيا.
وما بدّلوا تبديلا، ولذلك راكموا النصر.
وما بدّلوا تبديلا، لأنهم لم يطلبوا العاجلة، ولم يغريهم التصفيق، ولا أرهقهم طول الانتظار. فهم يعلمون أن مشروع التحرر لا يتحقق بخطوة واحدة، ولا بضربة واحدة، بل ببذلٍ متصل في طريق الله، واستقامة دائمة على خط الجهاد، وأن المقاومة ليست تكتيكًا ظرفيًا، بل التزام وجودي عميق لا يضعف بالتقلبات.
ففي كل معركة، تُختبر الأمم لا بالضربة الأولى، بل بقدرتها على الاستمرار، على حمل الجراح والمضيّ. الذين لم يبدّلوا ثبتوا في خندقهم رغم التضحيات، وحافظوا على بوصلة المواجهة فلم تتشوش، فاستطاعوا أن ينقلوا المعركة من طور الصدمة إلى طور الاستنزاف، ومن طور الدفاع إلى طور الردع.
هذا الثبات كان بحد ذاته نقطة من نقاط الانتصار، لأنه عطّل هدف العدو في كسر الإرادة، وأحبط المراهنات على الإنهاك والتعب والانقسام، وهو ما نراه اليوم واضحًا في استمرار المعركة في كل الجبهات رغم وحشية العدوان، بنفس الوهج الأول والعقيدة الصلبة، بل وبأدوات تتطور وتتحسن.
لقد ظنّ العدو، ومعه الكثيرون، أن الهول سيفرض على الناس التبديل: تبديل الولاء، تبديل الخطاب، تبديل الخيار. لكنه وجد أمامه جدارًا روحيًا منيعًا اسمه الثبات على الخيار الجهادي.
هذا الثبات جعل من كل موجة عدوان، لا مناسبة انكسار، بل فرصة لتثبيت الرواية، وتعميق الإيمان، وتوسيع جبهة المقــ/ومــ.ــة، فانقلب السحر على الساحر، وصار كل عدوان نقطة تُحتسب لصالح المشروع المقاوم، لأنه كشف جوهر العدو، وفضح المُطبّعين، ورفع منسوب الوعي الشعبي، وراكم في الرصيد التاريخي لزمن النصر.
الثبات هنا ليس جمادًا، بل حركة لا تتبدل، لأنه يصدر عن رؤية واضحة: أن العدو لا يفهم إلا منطق القوة، وأن فلسطين لا تُستعاد بالشفقة ولا بالمفاوضات، وأن من خذلها اليوم، سيسقط غدًا من ذاكرة الأمة.
"ما بدّلوا تبديلا" ليست فقط عن الرجال، بل عن المسار، عن مدرسة لم تغير جلدها، ولا ميثاقها، رغم كل المغريات والضغوط. مدرسة سقط فيها من سقط على قارعة الطريق، لكن بقي فيها من ربط مصيره بالمشروع حتى النفس الأخير، فكانوا في كل جولة أكثر رسوخًا، وأشد وعيًا، وأعمق يقينًا.
ولذلك، فإن هذا الثبات لا يُقاس فقط بحجم التضحيات، بل بثماره التراكمية في مشروع الانتصار بالنقاط الذي يتقدم بثقة، لأن الذين يحملونه، ما بدلوا تبديلا: "المقــ.ـاومة الإسلامية هي الرد وقوافل الشهداء تصنع النصر".
حسن ياسر عمر
@hassanomar_99