الانتصار بالنقاط: من الرحم إلى الرمح
حسن ياسر عمر @hassanomar_99
لم تبدأ هذه المعركة من بندقية، بل من رحم. ولم تولد البنادق إلا من أرحامٍ خُلقت لتمنح الحياة، ثم اختارت أن تربيها على الموت في سبيل الحق. هذا هو سرّ الانتصار بالنقاط. أن لا يكون الجهاد قرارًا عابرًا، بل قدرًا ينغرس في تكوين الجيل منذ لحظة التكوين، فيولد الجندي قبل أن يعرف السلاح، وتولد القضية في قلبه قبل أن تلامس قدماه الأرض.
من الرحم إلى الرمح: ليس مجازًا شعريًا، بل مسارًا حقيقيًا في مشروع المقاومة. هناك، حيث الأمّ لا تربي ابنها ليعيش أطول، بل ليعيش أصدق. حيث حليبها لا يشبع جسده فقط، بل يملأ روحه بمعاني الفداء، ويغرس في عقله منذ الطفولة أن السلاح لغة المستقبل، وأن الموت في سبيل الله ليس نهاية، بل أول الطريق.
هذا المسار التربوي هو أحد أعمدة الانتصار بالنقاط. لأن الحرب طويلة، والاستنزاف ممتد، ولا يصمد فيها من يرى الحياة غاية، بل من يرى فيها جسرًا لعبور المعنى. والعدو، الذي يراهن على الزمن لتفكيك جبهة المقاومة، يُفاجَأ أن الزمن نفسه يلد مقاومين جددًا، كلّما استشهد أحدهم، وُلد آخر من ذات الرحم، بذات اليقين، وأشد بأسًا.
هنا يكمن الانتصار: في تربيةٍ لا تفصل بين الأم والبارود، بين الحنان والحسم، بين الرحم والرمح. فالذي يُهزم هو من تنكسر أرحامه، لا من تُستشهد أجنّته. والذي يُهزَم هو من تُغوي أرحامه أولاده إلى الدعة والتطبيع، لا من تُربّيهم على العهد وتدفع بهم نحو الساحات.
الانتصار بالنقاط لا يتحقق فقط بالعمليات، بل بمن يُحضّر لها، بمن يصنع الإنسان المقاوم من طفولته، بمن يحوّل الذاكرة إلى هوية، والمأساة إلى عزيمة، والطفل إلى حامل إرث لا يُنسى ولا يُباع. هذه هي النقطة التي تُحسَب كل يوم لصالح مشروعنا: أن رحم المقاومة ما زال ينبض، وينجب، ويُربّي، ويُودّع شهيدًا ليستقبل آخر.
ولأن الرحم ما زال وفيًّا، فالرمح ما زال مرفوعًا. ولأن الأمهات ما زلن يُجدّدن العهد، فالمعركة مستمرة، لا تنكسر، ولا تتعب، بل تُجدّد نفسها كما يتجدّد الدم.
ذلك هو النصر الحقيقي، نصر يتراكم لا من البندقية وحدها، بل من قلب الأم، ومن صبرها، ومن قناعتها أن المهمة لم تنتهِ ما دام في رحمها أثر حياة.
من الرحم إلى الرمح، هي نقطة من نقاط الانتصار، لأن المشروع الذي لا ينقطع نَسْله المقاوم، لا يُهزَم، بل ينهك العدو بالولادة المتكررة للوجع، وبالإصرار المتجدد على إكمال الطريق، وبالإيمان العميق أن القضية تُحمل في الحشا قبل أن تُحمل في اليد، وتُكتب بالدم قبل أن تُنطق بالكلمات.



