وقف لوط وحده في وجه التيار، ينادي قومه لا بعصا ولا بسيف، بل بكلمة حقٍّ في زمن الطغيان: "أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون؟"
كان يعلم أن في أعماقهم بقية من بصيرة، وأنهم يعلمون قبح ما يفعلون، لكنهم آثروا الشهوة على الفطرة.
ثم قالها صريحةً: "بل أنتم قوم تجهلون"
لكن الجهل حين يُصبح مذهبًا، لا يسمع لصوت العقل، ولا ينصت لنداء الطهر.
لم يكتفِ القومُ بصنع الفاحشة، بل صنعوا لها هويةً وجعلوا منها مذهبًا علنيًا، ثم تطور الحال فصار الطهر نفسه رجعيةً، والتطهّر تطرّفًا، وأهل الصلاح خطرًا يجب اجتثاثه.
ولم يكن جوابهم حجةً ولا حوارًا، بل قرارًا سياسيًا بطرد المختلف "فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ"
لم يُنكروا على لوطٍ وأهله جريمةً، بل أنكروا عليهم نقاءهم! لقد وصلت بهم الجُرأة أن يُجاهروا بأن سبب الإخراج هو: "إنهم أناسٌ يتطهرون."
هنا يبلغ الانحراف ذروته: أن تُصبح الطهارة تهمة!
أن يُنظر إلى النقاء كخطر على "الوحدة المجتمعية"، وأن يُصبح أهل الفطرة هم الغرباء، المطلوب نفيهم من "القرية"، لأنهم ببساطة... يتطهّرون.
اليوم، تُعاد القصة.
لكن الفاحشة لم تعد فعلًا جنسيًا شاذًا فحسب، بل أصبحت مشروعًا استسلاميًا شاملًا، مسخًا للوعي، وترويجًا لواقعٍ هابطٍ باسم الواقعية، وتطبيعًا مع العدو باسم السلام.
هي اليوم علاقة شاذة بين أمةٍ وكيانٍ غاصب، بين جيلٍ يبحث عن التحرر، وطبقةٍ تحرس أبواب العار العربي.
اليوم، لوطُ هذا الزمان هو كل من رفع بندقيـ/ة في وجه إسراء//ل، وكل من آمن أن فلسطين لا تُقسم ولا تُؤجَّل، وكل من قال: لا تطبيع، لا اعتراف، لا مهادنة.
والجواب نفسه يتكرر، لكن بألفاظ مختلفة: "هؤلاء يهددون الإجماع"، "يحرجوننا أمام المجتمع الدولي"، "يُعقّدون الحل السياسي"،"هؤلاء خارجون عن الصف"، "أخرجوهم من قريتكم... إنهم أناسٌ يتطهّرون"!
لكننا نعلم، كما علّمنا القرآن، أن النهاية لا تكون بإخراج آل لوط، بل بهلاك القرية الظالمة.
وأن الطاهرين لا يُخرجون، بل يَخرجون هم بأقدامهم عندما يضيق المكان بالطهر. ثم يعودون.. ليُطهّروا القرية من جديد.
وكما قال السيّد الأمين المُستطاب (رض): "نحن نبني مقـ//ومتنا ضدّ إسرا///يل، التي نصرّ على أن تكون إسلامية، لأنها تمتلك التفوّق بالروحيّة، وليس بالسلاح والخطة. وقرارها ثابت وواضح: حتى إزالة …. من الوجود."
وهكذا، نوقن أن الطهارة ليست انزواءً، بل موقفًا، وأن المقا٩مة، في جوهرها، هي فعل تطهّر مستمر، حتى يُطهَّر المسجد، وتُطهَّر الأرض، ويرثها الصالحون، وتعود القريةُ طاهرةً كما بدأت.
@hassanomar_99



