وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿التوبة: ١٠٢﴾
فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴿الملك: ١١﴾
يخبرنا القرآن الكريم أن كل إنسان سيصل ذات يوم إلى البصيرة الكاملة، المؤمن والكافر سيُقال له يوم القيامة "لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ". الفارِق بين الفريقين هو أن هُناك من اكتسب مقدارًا كافيًا من هذه البصيرة أثناء حياته فنجا، وهناك من قصّر في ذلك وترك الغشاوة على عينيه فهلك.
الغاية واحدة، لكن المبادرة في تصحيح المسار هي مفتاح النجاة. في الآيتين بالمنشور، فعل الاعتراف بالذنوب واحِد، لكن الجزاء لمن بادر وأبصر حقيقة خطئه هو التوبة والمغفرة بإذن الله، ولمن تأخّر حتى وافاه أجله هو السعير.
وهذا صحيح أيضًا في الفتن الدنيوية، التي يسهل الحكم عليها بعد مرورِ أعوام طويلة عليها واستقاء العِبَر، ويستطيع كل إنسان أن يدين الظلم وينتصر للمظلوم، ما دامت هذه المظالم قد مرّ عليها قرون وظهر المحق من المبطل وقضي الأمر، وهذا يكاد لا يكون فيه ابتلاء، أي ابتلاء في إدانة فرعون وهامان وجنودهما الآن؟ إنّما تُقاس البصيرة بقدرة الإنسان على التعامُل مع فتن زمانه واتخاذ موقف أخلاقي في حينها، وهذا الأمر يحتاج إعدادًا وتأهيلًا كبيرين.
في كتاب "جلاء البصيرة" يقول الشيخ مصباح اليزدي إن البصيرة هي استعداد فطري إلهي يحتاج في تنميته إلى جانبين، جانب معرفيّ وآخر عمليّ. الجانب المعرفي يتمثّل في مسؤولية الإنسان عن تثقيف نفسه على المستوى الديني والاعتقادي والأخلاقي والقيمي، والتعلّم من أخبار الماضين، وتفادي النظرة السطحية والتفكير الساذج. والجانب العمليّ يتمثل في تقوية الإرادة ونبذ العصبية وعدم التواني عن إنجاز الأعمال التي تخدم مصالح المجتمع وتحبط مؤامرات الأعداء، ويجمع هذا الجانب حديث الجهـ//د باليد واللسان والقلب.
الخيار أمام الإنسان هو إما أن يسير نحو بصيرته راغبًا، حتى يصل في أعلى الدرجات إلى أن يقول كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "لو كشف الغطاء ما ازددت يقينًا"، أو أن ينتظر حتى تسير بصيرته إليه، وحينها يعض على يديه ندمًا وحسرة.



