لماذا لا يدرك أغلب العرب أن دور الجزيرة خطر وخبيث؟
رغم كثرة الشواهد والأدلة، يبدو أن المتابع العربيّ قد أصيب بمتلازمة استكهولم (وهي ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو مَن أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يُظهر بعض علامات الولاء له) يبدو أن الجزيرة نجحت في اختطاف وعي العرب إلى هذه الدرجة، حتى يصبح من يريد إيقاظهم هو المتّهم، ومن يريد تخديرهم هو البطل.
السؤال الذي يجب أم يطرح: ما الذي سيجعل المشاهد العربي يقتنع بدور الجزيرة في تزييف الوعي وخدمة العدو؟ أي نوع من الأدلة ينتظر؟
هناك فعلا من يريدون أن يكون الدليل دامغًا أشبه بالمعجزة، أن يخرج مذيعو الجزيرة ليقولوا يا جماعة نحن فعلا نخدم أجندات الغرب. وحتى إن حدث ذلك، هل سيصدقون؟
***
هناك من رد قائلا:
إختصرها أحدهم حول قناة الجزيرة، بأن حل إشكالية الأبواق الإعلامية وتأثيرها، يكمن في علاج جذر المشكلة وليس فروعها. لأن العدو يمكن أن يُغير أدواته الناعمة فيسقط البعض فيها مرة بعد أخرى. وأوافقه في ذلك. ومما قاله: "منذ مدة، يخوض البعض معركة وهمية ضد الجزيرة ويحرق أعصابه فيها، الحقيقة أن الأمر ليس متعلقًا بالقناة ولا بقطر ولا بأدواتها الناعمة، ولا شخصنة الأمور معها بالأمر السليم، إنّما هذا حصاد سنوات من الإخفاق الثقافي في صناعة الانسان الواعي لمتطلباته وأدواته وكيف ينظر إلى نفسه وإلى الآخرين"
ورد آخر:
"البديل البديل البديل ينبغي أن نخرج من دائرة الفاعل إلى الفعل من دائرة الدفاع إلى الهجوم من التبرير والتدليل وتوضيح الواضح إلى الانتاج والابداع والتحرك نحو العطاء.... الخ"
***
هذا الكلام يحتاج نظر. الكلام ظاهره جيد، لكن يجب أن نتذكر أن القرآن الكريم أتى ليبني ويهدم في الوقت نفسه. يبني الحقائق ويهدم الأباطيل. ولو كانت الحكمة في التركيز على البناء فقط لفعل الله ورسوله (ص) ذلك. الباطل لا يتركك تبني وهو يجلس في حاله
قال علي (ع) على منبره: "إني أنا فقأت عين الفتنة ، ولو لم أكن فيكم ما قوتل فلان وفلان وفلان وأهل النهر"
دور أهل الحق "فقأ عين الفتنة" وتبيين ضلال الضالين ومبادرتهم بالهجوم
ومن أول ما ابتدأ به رسول الله في خطبة الوداع كان " ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي"، بناء الإسلام هو في نفس الوقت تدمير للجاهلية.
عندما وصف الله تعالى حكمته من غزوة بدر، قال: "وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ"... بناء للحق وتدمير للباطل
وعندما وصف انتصار موسى على السحرة قال: "فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"... معجزة الحية ليست فقط في تحويل العصا، بل في أنها "تلقف ما يأفكون"، تدمّر السحر الذي قام عليه طغيان فرعون
لو كان مشروع النبيّ هو بناء الحق فقط في جزيرة منعزلة، والانتظار حتى يكتمل المشروع دون التصادم مع قوى الشر من حوله وتفكيك أكاذيبها، ربما كانت تركته قريش وشأنه، لكنهم كانوا يقولون إنه "سفه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، وصرنا منه على أمر عظيم."
مشروع الإتيان بالحق هو بالضرورة مشروع لإزهاق للباطل.
***
مشاركة:
تحطيم الباطل هو الخطوة الأولى نحو بناء الوعي.
في زمن النَّبي إبراهيم عليه السَّلام، كان النَّاس يُقدّسون الأصنام، ويعبدونها على جهل، فجاء إبراهيم ليحطّم هذه الأوثان، ويهدم تلك الصورة الوهميّة الرّاسخة في عقولهم، فواجههم بالحجّة، ثم أجهز على أصنامهم: “فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ”.
لم يكن تحطيمه للحجارة، بل تحطيمًا للأفكار، وزلزلةً لمعتقدات باطلة ظنّها النّاس حقًّا.
ومن واجبنا اليوم تحطيم زيف الإعلام المضلِّل الَّذي يزيّف الحقائق ويعمل على التلاعب بوعي النَّاس، و يراه البعض مقدّسًا، ويتلقّون منه كلّ ما يُقدّمه بلا مساءلة…
يجب أن يدركون أنَّ الباطل، هشًّا، متهالكًا، لاوزن له، ولكنَّهم هُم من عظّموه و رفعوه فوق مكانته.
“وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا”
“كان زهوقًا” أي أنّه زاهقٌ مُذ البداية.
***
مشاركة:
الباطل لا ينتصر ولا يتمدد لأنه الأقوى، ولا لأنه يملك الحجة، بل حين يتردد الحق وينتظر أن يُدعى أو أن يُقبل، واذا انتظر الحق تأخر، واذا تأخر تجرأ الباطل وتوغل في العقول، حتى ظن الناس أنه الأصل وأن ما عداه انحراف لذا لم يكن منهج الأنبياء حياد أو انزواء، بل صدام مباشر، وفضح لزيفه، وكشف لعجزه والقرآن يقول:(وقل جاء الحق وزهق الباطل) ، جاء تعني أن الحق تحرك ولم ينتظر، فكان السقوط حتميا للباطل، لأن الباطل هش لا يصمد أمام حركة الحق...إن تحرك



