تشريح قرآني لنفسية المنافقين
{قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا * أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا}
التفسير (من وحي القرآن للعلامة فضل الله):
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ} الذين يثبّطون الناس عن الخروج مع رسول الله ليعيقوا مسيرته في المواجهة الحاسمة للمشركين
{وَالْقَآئِلِينَ لإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} أي تعالوا إلينا لتجدوا عندنا الأمن والطمأنينة والراحة والدعة والحماية، يقولون هذا، كما لو كانوا يمثلون الضمانة لهم، ويضمنون السلامة لمصيرهم
{وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً} فهم الجبناء الذين لا يدخلون الحرب إذا أقبلت على الساحة وهجمت عليهم، إلا بالمقدار الذي يُثبتون به وجودهم من دون مشاركة، لإِيهام المؤمنين بأنهم معهم، ثم ينكفئون إلى مواقعهم في عملية هروب سريع
{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} بنفوسهم، وبكل ما تحتاجون إليه منهم، لأنهم لا يعيشون الانفتاح على الإسلام والمسلمين، فلا يتحسسون روحية العطاء تجاههم، فيبخلون من خلال الضيق النفسي الحاقد الذي ينكمش ويتقلّص ويتعقّد في الدائرة المغلقة
{فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ} في أجواء القتال التي تنذر بالخطر وتوحي بالمواجهة
{رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} نظرةً حائرةً متوسلةً، لا ثبات فيها ولا تركيز
{تَدورُ أَعْيُنُهُمْ} فلا تستقر في مكان من خلال الرعب
{كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} عندما يعيش في سكراته، فيحس بالحاجة إلى أيّ شيء يلوذ به وينقذه. ولكن هذه الحالة لا تدفعهم إلى الانجذاب الروحي نحو الهداية، وإلى التفكير بالعاقبة في ما تفرضه من خط الالتزام، وإلى الدخول إلى المجتمع الإسلامي، كعناصر حيّةٍ فاعلةٍ مؤمنة، بل يبقى تأثير هذا الجو، في حجم الحالة الطارئة، التي يزول أثرها عندما تزول
{فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} فوجّهوا إلى النبي والمؤمنين الكلام الحادّ السليط الذي لا يرتكز على قاعدةٍ، ولا يخضع لحقّ، انطلاقاً من حقدهم وغرورهم ونفاقهم الذي يوزع مواقفه على مصالحه وشهواته.
{أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} فإذا جاءت الغنيمة ـ وهي الخير ـ وبدأت القسمة، اندفعوا إليكم ليأخذوا حصةً منها على أساس أنهم شركاء معكم فيها، لأنهم شاركوا بعض الشيء في تواجدهم في ساحة الحرب.