كيف نعرف أننا لسنا ممن "يحسبون أنهم يحسنون صنعا"؟ هل نحن حقًا أصحاب قيم ومبادئ أخلاقية راسخة وقلوب سليمة وسرائر صافية، أم أن الجهل والسذاجة الفكرية والقبلية والعصبية والعقد النفسية والنفس الأمارة بالسوء والمصالح الشخصية والانتماءات الموروثة والتموضعات السياسية والأيديولوجية هي التي تحركنا وتحدد مسارنا، لا الإخلاص للحق والعدالة الإنسانية كما ندعي؟
يصبح هذا التساؤل أكثر إلحاحًا علينا عندما نرى ناشطين على مواقع التواصل يدافعون عن قضايا يؤمنون بها بكل حماس، ولكن حين تتتبع مواقفهم ينكشف لك تناقض فج في المبدأ يجزم لك أن التعاطف ليس دافعه الأساسي إنسانيًا أو أخلاقيًا وإنما هو سياسي بحت. حتى قال أحدهم: "وليكن تناقضًا فاللعبة سياسية ولا صوت يعلو فوق صوت المصلحة".
هذا المنظور يذكرنا بمقولة لمروان بن الحكم. روى عمر بن علي بن الحسين، عن أبيه قال: قال مروان: "ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم" يعني عليا عن عثمان. قال: فقلت: "ما بالكم تسبونه على المنابر!" قال: "لا يستقيم الأمر إلا بذلك" (ذكرت هذه الرواية في سير أعلام النبلاء للذهبي وتاريخ دمشق لابن عساكر عن ابن أبي خيثمة بإسناد قوي عن عمر)
يقول الشيخ حسن فرحان المالكي إن مقولة مروان بن الحكم تشير إلى أن اللعن الأموي للإمام علي على المنابر كان "سياسة". فعلوا ذلك لا لأنهم يظنون أنه قتل عثمان أو أعان على قتله، فهم يعرفون أنه كان من أدفع الناس عنه وكم تحمل الإمام في سبيل هذا الدفاع والإنجاد بالماء وكيف أرسل ابنيه الحسن والحسين لحراسة داره إلخ. ولكن "لا يستقيم الأمر إلا بذلك" فالقضية سياسة ومصالح ومُلك وعصبيات موروثة. وكذلك كل المواقف والتناقضات التي نشهدها اليوم.
قلة قليلة من ترشدهم بوصلة ومعايير أخلاقية ثابتة وواضحة المعالم. أولوية معظم الناس تحقيق المصالح والانتصارات السياسية والشخصية ولعل عندما يقال "سياسة" فالقصد البراغماتية أي أن تحديد الصواب والخطأ يرتكز على تحقيق المنفعة لا على نصرة الحق.
وهذا النوع من الناس وصفه الإمام علي في قوله: «والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر كنت من أدهى الناس»
فمنهج الإمام الالتزام بالحق مهما كلفه ذلك وهو القائل «والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت»
وهذه المواقف التي التزم بها الإمام هي منهج رسول الله محمد ﷺ وهي المنهج القرآني الأصيل:
{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم}
.
ولكن أين نحن من دين محمد ونهج محمد ﷺ.