عطفًا على منشور "لا يوجد محتوى محايد" الذي قلنا فيه ما يلي:
كل محتوى، عن قصد أو دون قصد، يعكس ميول وانحيازات صاحبه. سياسة النشر، بما في ذلك الاختيارات والتوقيتات لها دلالتها وتعكس سردية معينة سيتعرف عليها القارئ المثقف وستغيب عن القارئ الغافل، وسيسيء فهمها الجاهل المتعصب الذي يرى كل اختلاف في الرأي استفزازًا أو مؤامرة كونية أو دسًا للسم في العسل. وحتى الصمت والامتناع عن الولوج في بعض المواضيع موقف بحد ذاته. مسؤوليتك كقارئ أن تعي ذلك، وتمرّس نفسك على القراءة النقدية والقدرة على التمييز بين الغث والسمين وبين الطرح الرصين والموضوعي (وإن اختلفت معه) والطرح الذي يستغفل عقل القارئ.
.
نضيف هذه الفكرة لأن هناك من يسيء فهم الصمت:
وعليك أيضًا أن تفرق بين صمت التخاذل وصمت اتقاء شر الظالم وكذلك بين صمت التخاذل وصمت الحكمة واتقاء الفتن.
فليس الكل في المكان والزمان الذي يسمح له بالتعبير عن رأيه بكل حرية. وفي عالم السياسة والدسائس التي تحاك، قد يكون الصمت هو عين الحكمة، لا الكلام.
قال الإمام علي عليه السلام:
كُنْ فِي الْفِتْنَة كَابْن اللَّبُون.. لاَ ظَهْر فَيُرْكَبَ، وَلاَ ضَرْع فَيُحْلَبَ
(الفتنة: اسم يقع على كل شرّ وفساد. وابن اللبون: ولد الناقة إذا استكمل سنتين. لا ظهر فيركب: لا يستفاد منه في الركوب أو الحمولة لضعفه. ولا ضرع فيحلب: ولا هو أنثى ذات لبن فينتفع بلبنها.)
أي: كن كابن اللبون في أوقات الفتن لا يمكن الاستفادة منك او استغلالك لتأجيج أوارها. أي: عليك أن تحكم عقلك وتتوخى الحذر وألا تنساق وراء الآخرين فتكون معاونًا للباطل ومناصرًا للظلم من حيث تشعر أو لا تشعر، أو ورقة يستغلها هذا الطرف أو ذاك لحسابات ضيقة أو مكاسب آنية أو شعارات عاطفية فضفاضة لا تصب في مصلحة الأمة.
.
البعض قد يسيء فهم هذا المثل ويعتبرها نصيحة بالانطواء والعزلة وعدم التفاعل والحياد حتى في الأمور التي يكون فيها الحق جليًا. ولكن ليس هذا المراد من كلامه عليه السلام. فهناك فرق بين التخاذل وبين الحكمة في التعاطي مع الأمور.