لاحظوا أن كل الأنبياء أخبروا أقوامهم أنهم لا يسألوهم أجرا، إلا نبينا محمد ﷺ فقد طلب أن يكون أجره المودة في القربى {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}
لاحظوا أيضًا أن هذه الآية استهلت بمخاطبة النبي بفعل الأمر "قل"، وكأن الدعوة بمودة القربى إنما هي دعوة من عند الله تعالى وأن النبي ﷺ مأمور بتبليغ ذلك للمسلمين
ولكن الإسلام لا يدعو إلى مودة ذوي القرابة بوجه عام، ورفض القبلية كذلك، وحذر من مودة الأقرباء إذا كانوا معادين لله ولرسوله. والقرآن الكريم يذكر أمثلة عديدة لبعض الأقارب غير الصالحين للأنبياء (مثل امرأة نوح وامرأة لوط وابن نوح) بل وأخبر القرآن أن عم الرسول {سيصلى نارًا ذات لهب} فما المقصود بالقربى إذن في الآية؟ وأي قربى؟ ولماذا؟ وما الهدف من "مودة القربى"؟
تذكر كتب التفسير أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله ومن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما (أي أصحاب الكساء)
لاحظوا أيضًا: الأجر في مودة القربى لا يعود للنبي ﷺ بل يعود لنا:
{قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله}
{قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا}
وكأننا عندما نود قرابة النبي ونحبهم نرتقي في منازل الثواب، أو كأن هذه المودة من السبل التي تقربنا إلى رضا الله تعالى.
.
ولكن كيف تقربنا هذه المودة إلى الله؟ وما الهدف من مودة القربى؟ وكيف تكون هذه المودة؟ هل هي مشاعر وأحاسيس فقط؟
للإجابة على هذه التساؤلات لربما وجب علينا الرجوع إلى هدف الرسالة النبوية؟ ما هي؟
قال الرسول ﷺ: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فالأخلاق إذن هي جوهر الرسالة، ولا شك بأن آل بيت النبي عليهم السلام هم النموذج الأسمى الذي يمثل رسول الله خير تمثيل أخلاقًا وعلمًا. ولذلك قال الرسول ﷺ: "إني تارك فيكم الثّقلين، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي؛ كتاب الله، وعترتي أهل بيتي"
وعليه فيمكننا الاستنتاج أن النبي لم يطلب منا أي أجر، مثله مثل سائر الأنبياء، ولكنه استثنى من ذلك مودة قرابته، أي عترته آل بيته. وبالتالي فإن هذه الآية تحمل في طياتها مفتاح الفلاح في الدنيا والآخرة، معرفة أن ما يرضي النبي ﷺ هو مودة آل بيته، ثم تنفيذ هذه المودة عمليًا عبر الأخذ بتعاليمهم، والتأدب بآدابهم والسير على خطاهم وإظهار شأنهم.
.
اللهم صل على محمد نبينا وآله الأطهار وصحبه المنتجبين الأخيار
.
وبهذا المنشور نختتم منشورات رمضان القرآنية. اللهم تقبل صيامنا وقيامنا واغفر لنا ذنوبنا اللهم أعده علينا بالخير أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة ونحن ومن نحب بأتمّ الصحة والعافية.



