منصة ضاد المحترمة. لطالما كان لمنصتكم النصيب الوافر من ذاكرتي كلما قرأت شيئًا عربيًا جميلا أو كتبت كلمات من نسج أفكاري فكتبت مؤخرًا شيئًا قليل عن سيدنا علي ووجدت بأن لي رغبة ملحة أن أشاركه معكم.
في كل استطلاع بسيط لتاريخه العريق أدرك كم كان المطلوب منا ألا نأخذ عليًا بمحمل سياسي ولا أن نزجه في صراع الخلافة وتسيير الحروب بقدر ما كان علينا أن ننظر إلى جانبه الإنساني والأخلاقي والإجتماعي النموذجي.
لم يكن علي صلبًا قاتلًا حزازًا للأعناق في الحروب بقدر ما كان فردًا مطمئنًا يأخذ على عاتقه تصريف أبسط أمور حياته. علي وإن كان بطل حرب قد شق فيها رأس مرحب وخلع باب حصن خیبر لكنه قبل ساعة من ذاك كان يخبز الخبز للمجاهدين والرمد في عينيه، لكن يأبى الله إلا أن يكون نصر محمد ﷺ على يديه فنزل جبريل من السماء ليخبره أن أعط الراية لعلي.
علي وإن كان قائد دولة عظمی تنهال إليه الوفود من كل صوب غير أنه يبقى ذلك الزوج البسيط والأب المراعي الذي لا يتوانى عن قطع الحطب ورعي الأنعام وكنس الدار وحمل التمر إلى بيته رافضًا أي مساعدة في حمله بقوله "رب العيال أحق بحمله"
هذا هو علي وإن كان اسمه ملقى في كتب لا تتناول منه غير غدير خم واجتماع السقيفة، كما لو أن ذات علي برمتها تتمحور حول الإستخلاف ليس إلا. لكنه يبقى ذلك الخليفة الذي كان شخصية رئيسية في كل عهد، لا أحقاد ولا بغض ولا كراهيات، كان الوالي الذي يرى أن من مسؤوليته تأليف كل قلب وإعلاء كل حق حتى قال أبو بكر فيه: "من سره أن ينظر إلى أعظم الناس منزلة فلينظر إلى هذا الطالع "علي"" وإلى حد أن عمر كان يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن ويقول "لولا علي لهلك عمر" وكان علي يرسل ولديه الحسن والحسين ليحرسا دار عثمان لئلا يقتل.
علي وإن كان مقاتلا فذا حاز على شارات المجد من الله ورسوله لكنه يبقى ذاك الحبيب الذي ترك يومًا بيت حبيبته بعد جدال بسيط وأثر على نفسه حتى نام ظهرا في تراب المسجد بدل أن يبقى في بيتها ولئلا يخالفها في أمر فجاءه الرسول يطلب منه العودة بـ "قم يا أبا تراب" فكان أكثر الألقاب تعبيرًا عن ماهيته وأحبها إلى قلبه.
كانت يداه نبع عطاء لا ينضب، لم تكفا ليلة واحدة عن إطعام يتامى الكوفة وتفقد فقرائها ويظل قلبه حانيا على كل ذي ألم.
علي في عيون العارفين تلك الشخصية المتحررة من كل إطار طائفي أو مذهبي أو قومي، علي ذاك الذي إن أنصتنا بعمق وقت السحر سنسمع صدى نجواه، وإن ارتكزنا على شباك الكنائس سنراه يدق الأجراس.
علي هو ذلك الشخص المستعد أن يبدأ حياته في كل جيل موجهًا غضبه في كل اتجاه باحثًا عن صلاح العالم
.
بقلم
@mohamd.hamed.1