"إنّ هذه التصرفات التي ارتكبها هؤلاء (الخوارج) مما حدثتنا عنها المصادر التاريخية تعكس وبوضوح خصائص الشخصية التكفيرية وأهمّ سماتها، فهي شخصية تستهين بالكبائر، كسفك الدم وقتل الأبرياء، وتستعظم الصغائر، كأكل حبة من التمر دون إذنٍ من صاحبها، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على افتقاد الإنسان التكفيري إلى الميزان الصحيح الذي يزن به. وقد قالها عليّ (ع): "ما قصم ظهري إلاّ رجلان: عالم متهتّك وجاهل متنسّك".
.
- اقتباس من كتاب: العقل التكفيري: قراءة في المنهج الإقصائي للشيخ حسين أحمد الخشن
إضافة إلى السطحية والانشغال بالهوامش، من خصائص الشخصية التكفيرية: الاستعلاء الديني، العنف والاستهانة بالأرواح، وسوء الظن، وسوء الفهم.
•••
الاستعلاء الديني: وهو غرور واستعلاء ينطلق من جهلٍ مركّب فالإنسان الجاهل، كلّما ازداد نسكاً، ازداد غروراً وإعجاباً بنفسه وبدينه إذ يُخيّل إلى نفسه أنّه يمتلك الحقيقة من ناصيتها، وربّما كان مصداقاً لقوله تعالى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
العنف والاستهانة بالأرواح: وهي صفة لصيقة بالجماعات التكفيريَّة، فهذه الجماعات تعتمد طريق العنف والقسوة في مواجهة الآخر، فهي لا ترى له حرمة، ولا تجد غضاضة في لعنه وشتمه وضربه والتعدّي عليه وانتهاك حرمته وسفك دمه، وليس في قاموسها مكان للرّأفة والرّفق إلاّ في حالات خاصَّة، وكأنّ الأساس في الشَّخصيَّة الإيمانيَّة، الشدَّة والغلظة، وأمَّا الرّفق والمحبّة والرّحمة، فهي استثناء.
سوء الظن: ينظرون إلى الآخر بمنظار قاتم، وعدسة سوداء يتحكّم بها سوء الظنّ، ضاربين بذلك كلّ التعاليم الإسلامية الداعية إلى حسن الظنّ بالآخر وحمله على الأحسن وتصديق قوله وأخذه بالظواهر، دون النوايا والسرائر التي لا يعلمها إلاّ الله سبحانه.
سوء الفهم: وسوء الفهم يعود إمّا إلى حالة السفه الفكري والنظرة السطحية للأمور، أو لافتقاد الرؤية المتكاملة والشمولية عن الدين ودوره في الحياة، أو لاعوجاج في السليقة والذائقة الفقهية التي تتعامل مع النصوص وتستنطقها، أو لعدم الإلمام الكافي بالقواعد اللغوية والأصولية المعدّة لفهم النصوص واستنطاقها والموازنة بينها وملاحظة عامها وخاصّها، ناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، مكّيها ومدنيها.
من كتاب (العقل التكفيري: قراءة في المنهج الإقصائي) ومقالات أخرى للشيخ حسين أحمد الخشن