I will not give up until I reach
لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ

يوجد مسلسل على نتفلكس يدعى The Good Doctor يحكي قصة "مرفي"، جراح على طيف التوحد. وسبب تسمية المسلسل بهذا الاسم هو إشارة إلى عبارة يقولها بطل المسلسل تختزل رسالة العمل:

"أريد أن أكون معروفًا بأني طبيب جيد، لا طبيب متوحد جيد"

‏I want to be known as a good doctor, not a good autistic doctor

القدرة على عدم حصر وتعريف الإنسان بنقاط ضعفه (سواء كان مرضًا عضويًا أو نفسيًا أو اعاقة أو ظروف اجتماعية أو غير ذلك) من أبرز علامة الرقي الإنساني وقد نجد في القرآن نموذجًا على هذا التعامل الراقي. لننظر مثلاً إلى كيف تناول القرآن شخصية موسى عليه السلام:

يقول تعالى: "وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ"
ويقول: "وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي"

تقول التفاسير إن موسى عليه السلام كان في لسانه لثغة، يقول ابن عباس: كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام، ويزيد ابن كثير فيقول: وكان في لسانه ثقل لا يكاد يفهم عنه الكلام. فهذه إذن بمصطلحات اليوم إعاقة تنتمي لصعوبات الكلام.

ولكن القرآن حين يروي الحديث على لسان كليم الله لا يذكر دور أخيه هارون كوسيط، وإنما نسمع الحديث منه مباشرة:

"قَالَ مُوسَىٰ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَٰذَا" (يونس: 77)
"فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ" (يونس: 81)
"وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ " (البقرة: 54)
"وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ" (الكهف: 60)

وقد ذكر بعض المفسرين أن لثغة موسى لم تزل بالكليّة عندما دعا الله أن يحلل عقدة لسانه، إذ روى الحسن البصري ما معناه أنه لم يدعُ بالشفاء الكامل، وإنما أن يُشفى بالقدر الذي يمكنه من إفهام الناس، ولكن فرعون ظل يعير موسى بأنه "لَا يَكَادُ يُبِينُ" (الزخرف: 52)

ولكن، هل عندما نقرأ قصة موسى عليه السلام، هل نفكر فيه كشخص يعاني من إعاقة في الكلام؟

وإذا كانت الإجابة بلا، فهل السبب في ذلك هو نهج القرآن في ذكر هذه الإعاقة عرضًا، ثم التركيز على محتوى حديث موسى نفسه؟ هل يمكننا أن نقول أن القرآن اتبع المبدأ الذي نسميه اليوم مبدأ "التعامل الطبيعي" (أي التعامل مع ذوي الإعاقة بما يشعرهم أنهم يقفون على قدم المساواة مع الآخرين).

هل في ذلك درس خفي تربوي من القرآن الكريم في كيفية التعامل مع الأشخاص المختلفين عما نعتبره طبيعيًا؟ ما رأيكم؟

تاريخ النشر 23-10-2021