هَذَا اللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُم فَاتَّخِذُوهُ جَمَلا

"اتخذ الليل جملا": مثل يضرب فيمن يركب ظلام الليل كما يركب الإنسان الجمل لينجو بنفسه أو لينال بغيته.

يقول الشاعر:
أَتَّخِذُ اللَّيْلَ جَمَلْ… مَا حُمِّلَ اللَّيْلُ حَمَلْ
واللَّيْلُ فِيْهِ مُتْعَةٌ… وَاللَّيْلُ أَخْلَى لِلْعَمَلْ

"اتخذ الليل جملا" يضرب كذلك لمن يعمل عمله بالليل- من قراءة أو صلاة- كأَنه رَكِبَ اللَّيْل ولم يَنَمْ. ومن هنا جاء اسم قبيلة "آل جمل الليل" وهي من قبائل السادة الأشراف المنتشرة في الحجاز واليمن وشرق إفريقيا وجنوب شرق آسيا. لُقب جدهم الأكبر ب"جمل الليل" لأنه كان يقوم الليل كله ويتخذه جملا.
•••
أما العبارة في المنشور: "هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا" فهي من مقولات الحسين عليه السلام المشهورة في ليلة عاشوراء حيث أذن لأهل بيته وأصحابه أن ينصرفوا قائلًا:
.
"أمّا بعد فإنّي لا أعلمُ أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرَّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكُم الله عنّي جميعاً خيراً، ألا وإنّي أظنُ يَومنا من هؤلاءِ الأعداء غداً إلّا وإنّي قد أذنتُ لكم، فانطلقوا جميعاً في حلٍ ليس عليكم حَرجٌ منّي ولا ذمام، هذا الّليلُ قد غشيكم فاتّخذوه جَمَلا. وليأخُذ كلُ رجلٍ منكم بيد رجل من أهل بيتي، وتفرّقوا في سَوادِكم ومدائنكم حتّى يُفرجَ الله، فإنَّ القومَ إنما يطلبونني ولو قد أصابوني لَهوا عن طلب غيري"
.
وكان الرد: أنبقى بعدك يا ابن بنت رسول الله؟ لا أرانا الله ذلك أبداً، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك…فقبح اللَّه العيش بعدك!
.
ورد آخر: وَاللَّهِ لو علمت أني أقتل ثُمَّ أحيا ثُمَّ أحرق حيا ثُمَّ أذر، يفعل ذَلِكَ بي سبعين مرة مَا فارقتك حَتَّى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذَلِكَ! وإنما هي قتلة واحدة، ثُمَّ هي الكرامة الَّتِي لا انقضاء لها أبدا.
.
وقد صور هذا الموقف الشاعر والأديب اللبناني بولس سلامة (1902-1979) في تائيته عن الحسين عليه السلام:
.
ودعا صحبه فخفوا إليه
فغدا النسر في إطار البزاة
قال إني لقيت منكم وفاء
وثباتا في الهول والنائبات
حسبكم ما لقيتم من عناء
فدعوني فالقوم يبغون ذاتي
وخذوا عترتي، وهيموا بجنح الليل
فالليل درعكم للنجاة
إن تظلوا معي فإن أديم
الأرض هذا يغص بالأموات
هتفوا يا حسين لسنا لئاما
فنخليك مفردا في الفلاة
فتقول الأجيال ويل لصحب
خلفوا شيخهم أسير الطغاة
فنكون الأقذار في صفحة التأريخ
والعار في حديث الرواة
أو سبابا على لسان عجوز
أو لسان القصّاص في السهرات
يتوارى أبناؤنا في الزوايا
من أليم الهجاء واللعنات

تاريخ النشر 17-08-2021
اقتباسات أخرى ذات صلة