"في زمن التصحّر الروحيّ والتَّردّي الأخلاقيّ، في الزمن الذي تبلّدتْ فيه الأحاسيسُ وتخشّبت فيه المشاعرُ وتوحشّ فيه الإنسانُ وجفّت ينابيعُ المودّة والحبّ، وتقطّعت فيه سُبُل التراحم والتآخي بين الناس، في زمن هذه حالة، قد نكون بحاجة ماسّة إلى حديث الرّوح والأخلاق، حديث العقل والحكمة، حديث العاطفة الصادقة واللمسة النبيلة... والحقيقة أنّ المتأمل في الخطاب الديني سوف يفاجئه أن يكتشف أنّ ثمّة قيماً غائبة أو مغيبّة عن واقع المسلمين وحياتهم، ومن أهمّها قيمة الحبّ، أجل " الحبّ"... فمع أنّ الباحث لا يحتاج إلى كثير عناء ليكتشف هذا الحضور المكثّف لمفردة "الحبّ" ومشتقاتها في النصّ الإسلامي الأصيل، كتاباً وسُنَّة، لكنّه سيصاب بالدهشة عندما يلاحظ هذا الغياب أو التغييب لهذه القيمة عن قاموس التداول الإسلامي، وعن أدبيات المسلمين وخطابهم، فضلاً عن سلوكياتهم وأعمالهم وحياتهم، حتى أن البعض من "أهل التقى" ربما يستحيي أو يخجل من إيراد هذه المفردة على لسانه !
قد يكون حديثاً استهلاكياً القول: إنّ الإسلام هو دين المحبّة والسلام، دين التآخي والتراحم، دين التواصل والحوار، دين العدالة والقسط، لكنّنا وفي زمن الذّبح "بإسم الله" أصبحنا معنيين بتوضيح الواضحات، فالسلام هو الأصل في الإسلام ، وكلّ هُويّة مغايرة لذلك يراد إعطاؤه إياها هي هُويّة مزوّرة، وكلّ صورة يراد إلباسها له أو إلصاقها به بما يوحي أنّه دين الكراهية والتكفير والعنف والذبح هي صورة مشوَّهة وباطلة..."
- من مقدمة كتاب "وهل الدين إلا الحب" للشيخ حسين أحمد الخشن