{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}
البقرة: 273
.
{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} "والتعفف ترك الشيء والتنزه عن طلبه، بقهر النفس والتغلب عليها. أي يظنهم الجاهل بحالهم، أو الذي لا فراسة عنده، يظنهم أغنياء بسبب تعففهم عن السؤال. فهم لا يظهرون بمظهر الفقير المسكين المحتاج في صرخات الجوع أو العطش، أو في مظاهر البؤس في الثياب والمنازل، بل يحاولون الظهور بمظهر الغنيّ القادر، حفاظاً على كرامتهم والتزاماً بعفتهم وانتظاراً للفرج الإلهي الذي يخرجهم من مشاكلهم، فهم يتمردون على الجوع والعطش والحاجة من موقع قوة الإرادة في عمق إيمانهم بالله الذي يرعى عباده المؤمنين ويجعل لهم مخرجاً ويرزقهم من حيث لا يحتسبون".
.
{تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ} "أي بعلاماتهم الظاهرة من خلال النظرة إلى وجوههم، لترى المعاناة القاسية المتمثلة في ملامحهم، ولتتمثل فيها العنفوان النفسي الذي يوحي بالتمرد على كل أوضاع الألم المنبعث من الجوع والعطش والحاجة الملحّة".
.
{لاَ يَسألونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} "أي ليسوا من الذين لا يصبرون على حاجاتهم فيسألون الناس بطريقة الإلحاح في المسألة، فيكررونها مرة بعد أخرى ويتوسلون للحصول على ما يريدون من ذلك بمختلف الوسائل والأساليب، ولكنهم يواجهون الموقف من موقع الشخصية العزيزة العفيفة المتعففة عن الناس المترفعة عن الشكوى للآخرين"
.
"والإِلحاف هو الإِلحاح بأن لا يفارق - السائل المسئول - إلا بشىء يعطاه. من قولهم لحفني من فضل لحافه أى أعطاني من فضل ما عنده. ومعناه أنهم إن سألوا سألوا بتلطف ولم يلحفوا. وقيل هو نفي للسؤال أي أنهم لا يسألون أصلاً تعففاً منهم، لأنهم لو كانوا يسألون ما ظنهم الجاهل أغنياء من التعفف، ولو كانوا يسألون ما كانوا متعففين، ولو كانوا يسألون ما احتاج صاحب البصيرة النافذة إلى معرفة حالهم عن طريق التفرس فى سماتهم لأن سؤالهم كان يغنيه عن ذلك. وإنما جاء النفى بهذه الطريقة التى يوهم ظاهرها أن النفي متجه إلى الإِلحاف وحده، للموازنة بينهم وبين غيرهم، فإن غيرهم إذا كان يسأل الناس إلحافاً فهم لا يسألون مطلقاً لا بإلحاف ولا بدونه، والنفى بهذه الطريقة فيه تعريض للمحلفين وثناء على المتعففين".
.
مراجع: الوسيط في تفسير القرآن لسيد طنطاوي و تفسير من وحي القرآن للسيد محمد فضل الله.

يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ
القرآن الكريم
تاريخ النشر 20-07-2019