{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا }
أي قل - أيها الرسول الكريم لهؤلاء الكافرين الذين أعجبتهم أعمالهم وتصرفاتهم الباطلة. قل لهم ألا تريدون أن أخبركم خبرا هاما، كله الصدق والحق، وأعرفكم عن طريقه من هم الأخسرون أعمالا في الدنيا والآخرة؟ وجاء هذا الإِخبار فى صورة الاستفهام لزيادة التهكم بهم، وللفت أنظارهم إلى ما سيلقى عليهم. والأخسرون جمع أخسر وأصله نقص مال التاجر. وجمع الأعمال، للإِشعار بتنوعها وشمول الخسران.
وقوله {ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}. جواب عن السؤال الذى اشتملت عليه الآية السابقة فكأنه قيل نبئنا عن هؤلاء الأخسرين أعمالا؟ فكان الجواب هم { ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ } أى بطل وضاع بالكلية سعيهم وعملهم فى هذه الحياة الدنيا بسبب إصرارهم على كفرهم وشركهم
وقوله {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} أى والحال أنهم يظنون أنهم يقدمون الأعمال الحسنة التى تنفعهم. كما قال {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً } وهذا هو الجهل المركب بعينه، لأن الذى يعمل السوء ويعلم أنه سوء قد ترجى استقامته. أما الذى يعمل السوء ويظنه عملا حسنا فهذا هو الضلال المبين
وهؤلاء موجودون في كل زمانٍ ومكانٍ في أحد فريقين:
الفريق الأول: الناس الذين يخضعون للتوجيه السيّىء والتخطيط الشرّير، فيحملون الفكر الشيطاني في حركة العقيدة ومنهج الحياة تحت وطأة أجواء الخديعة والتضليل، يقدسونه ويعظمونه ويرون فيه الخلاص كل الخلاص، والنجاح كل النجاح، لأنهم عاشوا تحت ضغط هذا الفكر وفي دائرة الحصار النفسي التي أحاطت بهم من كل جانبٍ، فلم تترك لهم نافذةً يطلون منها على الاحتمال المضاد والفكر الآخر.
الفريق الثاني: الناس الذين يعرفون الحق، ولكنهم يتمردون عليه لأنه لا يتفق مع أطماعهم، ولا يخضع لشهواتهم، ولا يحقق لهم امتيازاتهم في الحياة... وربما كان الكافرون من هذا الفريق، لأن القرآن لا يجد الكفر ناشئاً من حالة شبهة مضادّة، بل من حالة فكرةٍ متبنّاةٍ من خلال الأهواء والمطامع.
مقتبس من : الوسيط في تفسير القرآن لسيد طنطاوي و تفسير من وحي القرآن للسيد فضل الله