{يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر * فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَىْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} سورة البقرة: 264-265
.
رئاء النّاس: مُراءة لهم و سُمعة لا لوجهه تعالى
صفوان: الصخر الأملس
وابل: مطر شديد
صلداً: الصلب الأملس الناعم
.
التفسير: يا أيها المؤمنون لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى فيكون مثلكم كمثل المنافق الذي ينفق ماله من أجل الرياء لا من أجل رضا الله، وإن مثل هذا المنافق في انكشاف أمره وعدم انتفاعه بما ينفقه رياء وحبا للظهور كمثل حجر أملس لا ينبت شيئا ولكن عليه قليل من التراب الموهم للناظر إليه أنه منتج فنزل المطر الشديد فأزال ما عليه من تراب، فانكشف حقيقته وتبين للناظر إليه أنه حجر أملس صلد لا يصلح لإنبات أي شيء عليه.
.
فالإيمان ليس مجرد كلمة أو عمل بل هو موقف يستمد حركته من الإيمان بالله كحقيقة تحرّك كيانه بالدوافع الروحيّة، وتدفع خطواته إلى الآفاق الرحبة في مجالات القرب من الله أما الكافرين مثلهم كمثل الصخر الأملس فهم لا يفسحون المجال لأعمالهم أن تنبت في الأعماق من نفوسهم ليضمنوا لها البقاء والامتداد بل يظلون في دوافعهم على السطح الذي لا يحتضن إلا الدوافع الساذجة التي تعيش في نطاق الشهوات بعيداً عن عمق الإيمان.
.
{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَأَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
.
الربوة: ما ارتفع من الأرض؛ الأرض التي تزيد وتعلو في نموّها
الطلّ: الندى، المطر الخفيف
.
إن الصورة هنا تختلف فهؤلاء هم الذين ينفقون أموالهم طلباً لرضا الله عنهم وانطلاقاً من قيمة عميقة داخل النفس ثابتة في طبيعة تكوينها كالبستان الذي تحتضنه الربوة المرتفعة وتحمل جذوره إلى الأعماق البعيدة في الأرض، فتكفل لها الامتداد والثبات، فإذا جاء المطر الغزير، أعطاها ازدهاراً ونمواً ونتاجاً مضاعفاً، أمّا إذا نزل المطر رذاذاً يندّي الأرض فيعطيها النضرة والنموّ الهادىء. وفي كلا الحالين، تخضر الأرض وتنتج وتعطي وكذلك حال الإنسان الذي ينفق ماله في سبيل الله.
.
مقتبس بتصرف من (التفسير الوسيط) لمحمد سيد طنطاوي و (تفسير من وحي القرآن) للسيد محمد فضل الله

صَفْوَان
القرآن الكريم
تاريخ النشر 08-05-2019