في هذا اليوم من كل عام، نشارك معكم أبياتًا ومقولات وكلمات تمتدح اللسان العربي وتميزه عن سائر الألسن، ولكن هذا العام، والأحداث الحالية تحديدًا، كشفت لنا عن تفشي “اعوجاج اللسان” في العالم أجمع، وبعض من عالمنا العربي، وهذا ما يصفه تعالى بقوله:
“وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ”
“وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَىٰ”
“يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ”
“وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ”
في هذا الاعوجاج ليٌّ للحقائق وتسخير لسلاح اللغة في خدمة الاحتلال وأهدافه، بل والكذب الصريح على معاني الألفاظ والشعارات والكلمات…
فكان النصر في هذه الحرب الإعلامية واللغوية الشعواء للصدق والصدق وحده، وهذا ما يسميه الله “القول الثابت” وذلك يشمل الحديث إلى النفس ويكون أيضًا بالحديث إلى الغير.
وقد ظهر هذا “القول الثابت” في عدة جوانب نوجزها فيما يلي:
1. جهود التعريف بالقضية الفلسطينية على مواقع التواصل الاجتماعي وترجمة المصادر القديمة والمقاطع الحديثة للغات الغربية، وذلك بجهود تطوعية من جيل الشباب خاصة، مقابل تزعزع الرواية الصهيونية وتغيرها كل يوم، بل كل ساعة
2. البلاغة العفوية التي استمعنا إليها على ألسنة أهل غزة، والعبارات التي صرنا نحفظها حفظًا ونُدهش من فصاحتها وقوتها وجريانها من أفواه أصحابها وهم في معمعة الابتلاء، مقابل اللغة الهمجية لجنود الاحتلال وإعلامييه
3. خطاب المقاومة نفسه الذي فيه من آيات البلاغة العربية ما فيه، والذي يُكتب ويُقرأ باللغة العربية، ولكنه لا يغفل أهمية الترجمة للإنجليزية والعبرية ومخاطبة الرأي العام للعدو، حتى صاروا يصدقون الناطق الرسمي أكثر من متحدثي جيشهم، وهذا سمت الحق، فهو يعلو ولا يُعلى عليه
هذه الأمور لم تكن فضيلة للسان العربي حصرًا، وإنما للناطقين بهذا اللسان الذين يشهدون بالحق ويتفهمون الآخر، ويفهمون كما يقول إدوارد سعيد إن جزءًا كبيرًا من حربنا ضد الاحتلال الإسرائيلي يدور في الغرب، في العقل الغربي.
وفي ضوء ذلك تجدد فهمنا لمدح الله تعالى للقرآن بأنه "بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ"، فعظّمه ليس فقط لأنه عربي، على ما في العربية من جلال، ولكن أيضًا لأنه واضح وضوح الحق ويقيم الحجة الكاملة على من سمعه، ولذلك فحتى إن تُرجم القرآن للسان غير عربي، فإنه يظل مبينًا لأن هذه الخاصية في جوهره دون مظهره.
وأخيرًا، ففي اليوم العالمي للغة العربية، ندعو أبناء العربية إلى الاستمرار في الاعتزاز بلغتنا الجميلة، ولكن ليس اعتزازًا جماليًا كاعتزازنا بالمعالم القديمة، ولكن اعتزازًا سياسيًا يقوم على الاشتباك مع اللغات الأخرى ومقاومة "اللسان الأعوج" أيًا كان، عربيًا أو أعجمي، حملًا لرسالة الشهيد رفعت العرعير في تعليم وتعلم الإنجليزية كأداة للمقاومة. وأن ندعو كما دعا إبراهيم عليه السلام بثبات القول وصدق اللسان: "وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ".