ليلة النصف من شعبان ليلة عظيمة القدر عند الكثير من المسلمين، ورد في الأثر أنه لا يُردُّ سائلٌ فيها مالم يسأل المعصية وفيها يستحب الصلاة والدعاء والاستغفار. ولهذه الليلة أهمية أخرى قد لا يلاحظها كثيرون رغم تأثيرها على القضية الفلسطينية، ولذلك فمن المفيد تسليط الضوء على هذا الجانب، ألا وهو كون هذه الليلة هي ليلة ميلاد المهدي المنتظر حسب معتقد الشيعة الإمامية.
يؤمن المسلمون سنة وشيعة بظهور "المخلص"، المهدي المنتظر، وفقًا لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الحديث الصحيح الذي رواه أبو سعيد الخدري وأخرجه أحمد وابن حبان والحاكم: "لَتُمْلَأَنَّ الأرضُ ظلمًا وعدوانًا، ثُمَّ لَيَخْرُجَنَّ رجلٌ مِنْ أهلِ بيتِي، حتَّى يملأَها قِسْطًا وعدلًا، كما مُلئَتْ ظلمًا وعدوانًا".
يتفق المسلمون على عدة نقاط جوهرية منها أن المهدي المنتظر رجل صالح اسمه محمد وأنه من أولاد فاطمة، وأنه سيخرج في آخر الزمان مع عيسى ابن مريم عليهم جميعًا السلام، لكنهم يختلفون حول شخصه، حيث يعتقد الشيعة أن المهدي هو محمد بن الحسن وهو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت المشار إليهم في الحديث (لا يَزالُ الإسلامُ عَزيزًا إلى اثنَيْ عَشَرَ خَليفةً) كما يعتقدون أنه ولد وفي غيبة وسيظهر في آخر الزمان، أما أغلب أهل السنة فيعتقدون بأنه لم يولد بعد، وإنما ميلاده في آخر الزمان.
ويكمن الاختلاف أيضًا في محورية ظهور المهدي في كلتا العقيدتين. فهو لدى الكل من باب الإخبار بالغيب الذي أطلع الله نبيه عليه، ولكن القضية تأخذ دورًا جوهريًا في عقيدة الشيعة: أولًا لأنه من عترة الرسول صلى الله عليه و آله وواحد من أئمتهم الاثنى عشر المفترض عليهم اتباعهم ونصرتهم وموالاتهم كي لا يضلوا استنادًا للحديث المتواتر (انظر أسانيد الحديث في كتاب السيوطي عن الأخبار المتواترة) "إني تاركٌ فيكم الثقلين ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا: كتاب الله، وعِترتي أهل بيتي" وثانيًا لأنهم يتعبدون بانتظاره ويعتقدون أنهم مسؤولون في التمهيد لظهوره ونصرته في "زمن الغيبة" أو "زمن الانتظار" الذي نحن فيه فظهور المهدي كما يعتقدون لا يحصل بالتمني أو الانتظار السلبي بل يحصل بالعمل والمجاهدة.. المجاهدة الفكرية والنفسية والروحية ومن خلال تنمية الكفاءات العلمية، وبناء الكوادر الرسالية المهيأة لنصرة الحق والمظلومين في زمن الانتظار ثم نصرته وإقامة دولة العدل الموعودة في زمن الظهور.
وهذا المعنى النبيل، أي الانتظار الإيجابي بالإعداد والاستعداد يبيّن لنا ما نشهده اليوم، أي أن الجهات الوحيدة في العالم التي تنصر غزة وتدعم الـمقـ.ـاومة في غزة بالمال والعتاد والأرواح على طريق القدس هي جهات تؤمن بأن دعم المظلومين والمستضعفين وأخوتهم في الدين ليس فقط واجب ديني وأخلاقي يؤجر عليه المسلم في الآخرة، بل هو من عوامل تعجيل ظهور المهدي الموعود وإقامة دولة العدل الإلهي.