لستُ من المؤمنين أن التاريخَ يكررُ نفسه ويعيدُ مشاهده، وإنما أؤمنُ أن الإنسان هو الذي يكرر ذات الأخطاء! برفضه المستمر للتغيير، ذلك أن التغيير الحقيقيّ يكونُ نتيجةً لحصيلةٍ متراكمةٍ للوعيّ، وقراءةٍ لسيَّر الماضين من الناس للوقوف على الأخطاء وتحليلها، وإيمانٍ أن نصرة المستضعفين في العالم قرينةٌ بالتعب والألم، وهذا ما لا يريدهُ الإنسان، هو يريدُ تغييرًا فجائيًا في لحظةٍ واحدة فقط، بدون ذلك كله، وكل سعيّ له في الدنيا بهذه العقليّة، يعودُ بالتاريخ ليكرر نفس الأخطاء!
قال الله جل وعلا: "وتلك الأيام نداولها بين الناس" والمداولةُ هي جعل الشيء يتناوله واحدٌ بعد آخر، فالمعنی: أن السُنة الإلهية جرت علی مداولة الأيام بفهم أُناسها لها، وتجربتهم وطريقة تفكيرهم وتعاطيهم مع المتغيرات من حولهم لكي تكون درسًا إلهيًا يتعلمُ منه الإنسان ممن سبقه ويتعظَ لحاضره ومستقبله، فحياة البشر قد تمر بانتصارٍ وهزيمة، قوةٍ وضعف، فرحٍ وحزن، لكن كل هذا غير باقٍ ولا ثابت على الإطلاق، كل ما في الوجود يتغير ويتحول، ويزول ويتبدل، فلا بدَ من تقييم أسباب كل هزيمة أو ضعف، ودراسة منهجية لأخطاء السابقين ومحاولة تلافيها بعد ذلك، وتحويل الضعف إلى قوة، لتتضح سُنة التكامل من خلال ذلك.
"ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"



