ومن الناس من يُعجبك قوله في الحياة الدنيا، تراه يرتدي ثوب الصلاح والتقوى ليورِدَ الأُمّة إلى الهلاك والتلف، يطبعُ الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرعُ الأسماعَ بزواجر وعظِه، يجلسُ في بُهرة حلقات "العلماء" ليردَّ على الشبهات لكي يُصفّقَ له الغرباء، ويأخذ العطيّاتِ من الأمراء، لا يتركُ من قصصه حول الزهد في الدنيا شيئًا إلّا ذكره، ولا يقومُ من مجلسه حتى يحدّثك عن لطائف القرب الإلهيّ، ويُقنعك بضرورة البناء المنهجيّ، حتى إذا ما خرج من مجلسه، وأثنى الحاضرون على علمه وطرائفه، وتكسَّب من خلال كلامه، أعجبَ السلطان مقاله وأمرَهُ أن يُكثِر من أضرابه، مع زيادةٍ في التشنيع على أعداء السلطان، وبثّ الفرقة في أوصال الأُمة لتصبح لقمةً سائغة لدى الشيطان.
وهو كما قال الأول:
لبستُ الخميصةَ أبغي الخبيصة
وأنشبْتُ شصّيَ في كل شيصة
وصيّرتُ وعظيَ أحبولةً
أريغُ القنيص به والقنيصة