(عج) اختصار لعبارة "عجّل الله فرجَه"، والضمير هنا يعود إلى الإمام المهدي المنتظر الذي يتفق أغلب المسلمين على وجوده، وأنّه من نسل النبي (ص) ويأتي آخر الزمان ليملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا، وأن مجيئه هو إعلان التحقق النهائي للوعد الإلهي الوارد في عدة آيات منها قوله تعالى: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" ﴿الأنبياء: ١٠٥﴾ وقوله تعالى: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين" ﴿القصص: ٥﴾
وصول المهدي (ع) إذًا هو نقطة انقلاب تاريخية، من سيطرة الطغاة والمجرمين إلى تمكين المؤمنين والمستضعفين، من استعباد البشر لبعضهم إلى العبودية الكاملة لله وحده. هذه هي الخاتمة الذي اختارها الله للمعركة بين الحق والباطل التي لم تتوقف منذ هبوط آدم (ع) من الجنّة، وبالتالي فهو تمثيل لكمال الحكومة الأرضية والقيام بالخلافة على أتم وجوهها.
ولكن متى يكون ذلك؟ ومن هذا الجيل الذي سينال شرف أن يكون آخر المستضعفين وأول الممكّنين؟
الله تعالى عندما يعِد وعدًا، فإنّه لا يأتي به من العدم (وهو على كل شيء قدير)، وإنّما يجعل هذا الوعد مشروطًا بشروط معيّنة ويتطلب تضحيات كُبرى تتناسب مع حجم الانتصار الموعود. جريًا على النسق الذي أنشأ الله عليه الكون كلّه فجعله محكومًا بقوانين وسنن ثابتة.
على سبيل المثال، عندما وعد القُرآن بالفتح في سورة الصفّ "وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب"، جعل هذا الوعد مشروطًا بالإيمان والجهاد في سبيل الله "تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم".
وكذلك كان الإمام علي (ع) يؤكد دائمًا أن النصر الإلهي يتطلّب أسبابًا تُقرّبه وتعجّل به، وفي ذلك يقول: "ولقد كنا مع رسول الله (ص) نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأخوالنا وأعمامنا لا يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما ومضيا على أمض الألم وجدا على جهاد العدو ... فلما رآى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر".
لا بد إذًا لكي يأتي الفرَج الأخير من أن تتهيّأ أسبابُه. لن يأتي المهدي (ع) لكي يُسلمه الناس كما أسلموا جده الحسين (ع) في كربلاء، وإنّما سيأتي بعد أن يهيئ المسلمون أنفسهم نفسيًا وروحيًا وثقافيًا ومعرفيًا، وبعد أن يُخلصوا في هذا الاستعداد، كلٌ في مجاله وما يسّره الله له، بحيث تكون أعمالهم كلها هي نداء حقيقيّ بأن "أقبل يا ابن رسول الله". وأن تكون هناك قاعدة إيمانية صلبة وجاهزة للمعركة الكُبرى.
ربّما من هذا المنطلق نفهم رمزيّة مجيء عيسى (ع) ليتّبع المهدي، فكلاهُما قائد موعود ولكن الفارق بين مصير الأمّة في عصريهما هو مقدار الاستعداد السابق لهُما. فقد كان بنو إسرائيل يزعمون انتظار المسيح لكنّهم لم يعدوا لمجيئه أي عُدّة وإنّما أقبلوا على الدنيا ونبذوا وعد الله، ولذلك عندما أتى الوعد الإلهي وهم غير مستعدين هلَكوا وضاعوا وكانوا من المكذّبين، أمّا المهدي فمجيئه يرتبط بجماعة مرابطة على الحق (بنص الحديث) لم تنتظر انتظارًا سلبيًا، بل استجلبت وعد الله بعمِلها الصالح. ولذلك كان السيّد رحمه الله يصف مجيء المهدي (ع) بأنه "استحقاق إلهي"
وبالتالي فالدُّعاء بتعجيل الفرج ليس في الحقيقة دعاءً بأن يُقرّب الله الموعِد وحسب كما ندعو بتعجيل الرزق مثلًا، ولكنه كذلك ابتهال إلى الله بأن يُخلصنا له ويعيننا على العمل والتمهيد لظهور المهدي الموعود ويجعلنا من أنصاره وأعوانه.
أو بمعنى آخر، الدعاء بـ "عجّل الله فرجه" لا بُدّ أن يسبِقه تنفيذٌ دؤوب لـ "أعر الله جمجمتك"