Divine selection
الاصطفاء الإلهي

الاصطفاء الإلهي في القرآن الكريم قلّما يأتي إلا مشروطًا بالطّاعة. عندما مُنِح آدم وزوجه الجَنَّة، جعل الله شرط بقاءهما بعدم الاقتراب من الشجرة. وعندما مُنِح بنو إسرائيل القرية فاتحين، شرط الله عليهم القول والعمل (أن يقولوا حِطّة وأن يدخلوا الباب سُجدًا). وعندما عصى المصطَفَون في الحالتين، عوقِبوا بتحويل النعمة، حيث أُخرِج آدم وزوجه من الجنّة، وأُنزل على بني إسرائيل رجز من السّماء. أو بمعنى آخر، التفضيل على العالمين في القرآن معادلة ذات شقين: فضلٌ مشروط منه (جل جلاله)، وسعيٌ مستمر مِنّا.

هذه المشروطيّة من أسمى المعاني التي أتى بها الإسلام. عندما يقول الله تعالى: "وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ"، فهو يقرر سنّته التي كتبها على نفسه، أن النّجاة الفردية والجماعية لا تكون إلا بالطاعة القلبية والعملية. وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (ع) في إحدى خطبه: "وَاسْتَتِمُّوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ".

ومن رحمة الله أنه مع نقض البشر لعهودهم، فإنه لا يسارع بعقوبتهم، وإنّما يمهلهم، فمنهم من يؤوب إليه سريعًا كآدم (ع) الذي تاب فتاب الله عليه: "فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"، ومنهم من يُصِرّ على المعصية كبني إسرائيل الذين أماتوا قلوبهم بعد أن رأوا بأعينهم كيف يحيي الله الموتى "ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً". وفي هذا الحلم الإلهي يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعائه: "... فَلَم يَبْتَدِرْنا بِعُقُوبَتِهِ، وَلَمْ يُعَاجِلْنَا بِنِقْمَتِهِ بَلْ تَانَّانا بِرَحْمَتِهِ تَكَرُّماً، وَانْتَظَرَ مُراجَعَتَنَا بِرَأفَتِهِ حِلْماً".

وباستيعاب هذين المعنيين نفهم العِلاقة بين إثبات الرحمة لله في بداية الفاتحة بـ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ" وبين دعاء المؤمنين بالتزام الصراط في خاتمتها: "صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ"، فبطاعة الله تُستنزل الرحمة، وبمعصيته يُستحقُّ الغضب والضلال.

تاريخ النشر 01-03-2025
اقتباسات أخرى ذات صلة