منذ أكثر من عشر سنوات، صرح وزيرٌ عربيّ بأن العدو الصهيوني "ليسوا بذئاب، ولكن أغلبنا أصبح نعاج"، وذلك في سياق تمحّل الأعذار لاستمرار وحشية العدو ضد أهل غزة وعدم قدرة الدول العربية على وقف العدوان. هذا التصريح جوهره أن "كل الأطراف متساوية، كلنا مقصرون وكلنا متخاذلون وليس أحد أفضل من أحد".
وحينها صرح السيد رافضًا هذا التعميم وقال: "لا حبيبي لا... اللي شايف حاله نعجة يحكي عن حاله".
لماذا نستعيد هذه الواقعة اليوم؟
إثر المجازر التي نشاهدها اليوم في سوريا، والمجرمون لا يخفون دوافعهم الطائفية، ظهرت نبرة جديدة للتبرير، تقول نعم هذه جرائم مؤسفة، ولكن ألم يرتكب الحزب بالأمس جرائم في سوريا أيضًا؟ كلا الطرفين غارقين في الدم ولا أحد أفضل من أحد.
هذه النبرة مفادها أننا "كلنا فاسدون".. "كلنا قتلة ومجرمون فلا يجوز لكم يا مجرمي الأمس أن تحاكموننا مجرمي اليوم". الرد على هؤلاء هو نفس رد السيد الأمس "لا حبيبي لا"...
ليس الكل قتلة... وليس الكل فاسدين... وليس الكل مرتزقة.. هناك مقـ//ومون شرفاء يقاتلون في سبيل الله ملتزمون بتعاليم دين الرحمة، خاضوا أشرف معركة واليوم تظهر بصيرة السيّد الذي أنقذ أرواحًا كثيرة من إجرام هؤلاء المجرمين، ولو إلى حين. ولا يوضع هؤلاء وهؤلاء في كفة واحدة أبدًا.
الحذر واجب من هذه السردية التي لا ريب ستتكرر كثيرًا وتعلو. من ينتقد ما يحدث اليوم سيتهمونه بازدواجية المعايير لأنه سكت عن جرائم الحزب المزعومة. حتى هذا الاتهام يفضح نفاقهم. هؤلاء لا تهمهم دماء الأبرياء شغلهم الشاغل هو استهداف حركات المقـ//ومة الشريفة خدمة للمشروع الأمريكي.
أما بالنسبة لنا نحن، ورسائل الأحبة حول عدم مواكبتنا لهذه الأحداث. نكرر لهم أننا في ضاد قد اتبعنا سياسة لم تتغير طوال السبع سنوات الماضية، ألا وهي التركيز الحصري في تغطيتنا السياسية على القضية الفلسطينية وكل ما يمسّها، باعتبارها القضية المحورية والكُبرى لأمتنا، ولأن كل الجروح الدامية في منطقتنا وراءها مشروع الاستكبار الصهيو-أمريكي، ولا يُمكن تأسيس وعي تحرري من طريق غير طريق القدس.
لم نتحدث عن الثورات أو الحروب في بلدان أخرى… حتى الأنظمة العربية المطبعة لم نتناول أي منها. فضلنا أن نكون متسقين بدلًا من أن ننتقد مثلًا سجون النظام في سوريا ونسكت عنها في دول أخرى تقوم بنفس الممارسات (كما تفعل منصات إعلامية كُبرى).
عندما تطرقنا لقرار الحزب بالوقوف في وجه الجماعات في سوريا، كان هدفنا هو تنزيه أكبر وأشرف حركة مقـ//ومة من الاتهامات الباطلة والتشويه المستمر وهو يسطِّر ملاحمه في الدفاع عن الأمة بأكملها وعن فلسطين وغزة خاصة.
هذه الحملات التي لم تتوقف هدفها أن تجعل كل الرؤوس سواء، في الخنوع كلنا نعاج، وفي الإجرام كلنا مجرمون. يريدون ألا يفهم المواطن العربي أن القضية بسيطة: خير مطلق في مواجهة شر مطلق.
اليوم أكثر من أي وقت، على كل منّا أن يعرف أن تكليفه ليس أن يتكلم في كل شيء ويجادل كل أحد، فهذا تشتيت للقوى وتوهين للعزم. وإنما أن يقاتل على جبهة واحدة حسب ما أعطاه الله من علم ووقت وقُدرة وإمكانات. هكذا نفهم دورنا ومسؤوليتنا.