حين يُغتال القائد، يولد عشرة يحملون وصيته.

الانتصار بالنقاط: الجيل الذي وُلد في النار
حسن ياسر عمر @hassanomar_99

ليست كل الأجيال سواء. بعضهم وُلد في زمن السلام الكاذب، فتشرّب الخنوع بالتدريج، وآخرون وُلدوا في زمن النار، فكان أول ما سمعوه هو صوت الانفجار، وأول ما رأوه هو دم الشهداء، وأول ما نطقوه كان أسماء المجازر. هذا الجيل، الذي وُلد في النار، لم يكن بحاجة لمن يُقنعه أن إسرائيل عدو، لأن النار كانت المعلم الأول.

هؤلاء لا يروون القصص عن النكبة فقط، بل يعيشون النكبة المتجددة كل يوم. يرون البيوت تُهدم، ويركضون تحت القصف، ويشيّعون أصدقاءهم واحدًا تلو الآخر، لكنّهم لا يسقطون. بل يشتدّ عودهم في كل جولة، وكأنهم وُلدوا ليحملوا الشعلة، لا لينكفئوا في الظل.

هنا تمامًا يكمن جوهر الانتصار بالنقاط: أن المقاومة لم تتآكل مع الزمن، بل أنجبت أجيالًا أشد عودًا، وأوضح بوصلة. كل جيل وُلد في النار، خرج أصلب من سابقه، لا لأنه أقوى عضليًا، بل لأنه تشكل في لحظة الحقيقة، بعيدًا عن ترف الشعارات ولعبة التوازنات.

الجيل الذي وُلد في النار، لا يرى الحياة إلا من خلال بندقية تُقاوم، ولا يفهم السياسة إلا كخدمة للجبهة. فحين يُغتال القائد، يُولد عشرة يحملون وصيته. وحين تُدك الأحياء، تُكتب القصائد من تحت الركام. وحين يُمنع عنهم الضوء، يصنعون من دمهم قناديل.

العدو ظنّ أن الحصار والقصف والتجويع ستكسر النفوس، فإذا بها تصهرها في فرن العزيمة. وظنّ أن تفكيك المجتمعات سيقطع الطريق على المقاومة، فإذا بالعائلات تُنجب مقاومين أكثر من أي وقت. هذا التحدي الزمني: أن يولد جيلٌ كامل تحت النار ولا يتربّى على الهزيمة، هو بحد ذاته نقطة من نقاط الانتصار، لأنه يعني أن العدو لم يربح الزمن.

المعادلة واضحة: الكيان الصهيوني راهن على الزمن كأداة تفكيك، ونحن ربحنا الزمن كأداة بناء. هو اعتقد أن الجيل الذي سيولد تحت سلطته سينسى، فإذا بهذا الجيل يربّي أبناءه على حكايات العودة. ظنّ أن الذاكرة ستخفت، فإذا بها تشتعل مع كل دفقة دم. ظنّ أن القصف سيكسر الإرادة، فإذا بالإرادة تُصاغ تحت القصف، وتُروى من دم الشهداء.

الجيل الذي وُلد في النار لم يكن مشروعًا خطابيًا، بل كان خلاصة تراكم طويل من التربية على الإيمان والكرامة، ومن التحدي اليومي، ومن المعاناة التي لم تُنتج الانكسار بل الثورة. ولأنهم هكذا، فإن وجودهم بحد ذاته نقطة في رصيد المشروع المقاوم، ليس لأنهم يحملون السلاح فقط، بل لأنهم يحملون المعنى.

جيلٌ تشكّل وعيه تحت الرماد، ونما إيمانه بين الجنازات، وتعلم القراءة من منشورات المقاومة، وحفظ اسمه مع نداءات الإسعاف… هذا الجيل لا يمكن أن يُهزم. لأنه حين يقول "التحرير"، لا يقولها كأمنية، بل كتكليف. وحين يتحدث عن القدس، لا يتحدث عن حلم، بل عن وعد مكتوب في قلبه.

الانتصار بالنقاط ليس فقط ما تحققه المقاومة في الميدان، بل ما تنجبه الأرحام، وما تزرعه الأمهات، وما يُكتَب في وعي الأطفال قبل أن يقرؤوا الكتب. هذا الجيل، الذي وُلد في النار، لا يشبه من سبق، وهو بالضبط ما لم يُحسب في ميزان العدو، جيلٌ من نار، يُراد به أن يحرق باطل الزمان.

تاريخ النشر 08-04-2025
اقتباسات أخرى ذات صلة