Loud is the clamor, few are the (true) pilgrims
مَا أَكْثَرَ الضَجِيجِ وأَقَلَّ الحَجِيج

كل عام يجتمع الملايين من المسلمين لموسم الحج، ولكن هذا التجمع غير معبّر أبدًا عن حالة الأمة بوجه عام، فما السبب؟

في ظل الاستعداد لاستقبال هذه الأيام روحيًا وإيمانيًا، من المهم أن يتفكر المسلم في معنى الحج، لماذا شرّعه الله وما الحكمة من مناسكه؟ وكيف يمكن أن تكون هذه الرحلة وسيلة لتصحيح مسار الفرد والأمة.

يروى أن أحد أصحاب الإمام الباقر (ع) قال في الموسم تعجبًا من عدد الحجاج "ما أكثر الحجيج وأعظم الضجيج!"، فأجابه الإمام: "بل ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج". هذه العبارة ليست تعليقًا على علو الأصوات فقط، فهذا قد يكون محمودًا، كما في دعاء الحسين (ع) يوم عرفة "فإليك عجت الأصوات بصنوف اللغات"، والعجيج هو الضجيج.

إنما ما يشير إليه الإمام هو أساس من أسس فلسفة العبادة في الإسلام، ألا وهو "مبدأ التكامل"، أي أن العلاقة مع الله كي تصح، فلا يكفي فيها محض التعبد بالجوارح دون الروح.

مبدأ التكامل يعني أن الله قد خلق الإنسان جسدًا من صلصال ثم نفخ فيه من روحه، ورسم له طريقًا عليه أن يسير إليه لينجو، والوسيلة الوحيدة للسير إلى الله هي بالروح والجسد معًا، فالسير بالروح فقط تمني، والسير بالجسد فقط مَوَات، ولا تستقيم الدنيا ولا الآخرة للإنسان إلا بالتكامل بين شقّيه.

المؤمن الذي يقصي شق الجسد، فلا يمارس العبادات من صلاة وصوم وغير ذلك، لكنه مؤمن بالله واليوم الآخر، فلا ينفعه إيمانه هذا بشيء، وإنما هو كما وصفه رسول الله (ص): "أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني".

مبدأ التكامل أيضًا ينطبق على علاقة المسلم بأمته، وهو ما يحتاج إعادة ترميم بالغة، لأنه هناك من ينكفئ على ذاته، ويعبد الله مخلصًا، لكنّ علاقته بقضايا الإسلام والمسلمين منعدمة، كأنه يحيا وسطهم بجسده فقط، فيهم وليس فيهم. هذا النوع قال فيه رسول الله (ص) بالوعيد "من أصبح لا يهتمُّ للمسلمين فليس منهم".

ومن ناحية أخرى، فهناك من يهتم لأمر المسلمين بقلبه فقط دون أن ينصر مظلومهم ويرد عنه العدوان، ودون أن يشعر بالخزي لتقصيره في ذلك. هذا الصنف يقف معلّقًا بالإيمان بخيط رفيع يكاد ينقطع، ففي الحديث أنه ليس بعد إنكار المنكر بالقلب من الإيمان مثقال حبة من خردل.

هذه الحالة هي التي أدت إلى أن يقتل الحسين وأهل بيته (ع) بعد شهر واحد من موسم الحج عام 60 هـ، وهي التي أدّت إلى أن تنتهك المدينة المنورة وتنهب وتحاصر مكة في شهر ذي الحجّة سنة 61 هـ فيما يُعرف بوقعة الحرّة. فأي حجة تلك التي حجّها أولئك الناس حينئذ ثم تخاذلوا عن نصرة أهل بيت نبيهم وبقية صحابته بعدها بأيام؟

كما أن الإنسان خلق جسدًا وروحًا، فإنه سنّ له شريعة تقوم على التكامل بين الشقّين، سواء في العلاقة مع الله عز وجل، أم في العلاقة مع الخلق الذين هم عيال الله. ومن يظن أنّه يستطيع أن ينجو دون هذا التكامل، فسيجد نفسه في نهاية المطاف جزءًا من "ضجيج" يملأ الكون لحظة، ثم يتبدد.

تاريخ النشر 07-05-2025