And make Truth follow him wherever he stands
وأَدِر الحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَار

الولاية.. عشقٌ وطاعة

وأَدِر الحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَار... هذا المقطع هو جزء من إحدى روايات خطبة النبي صلى الله عليه وآله يوم غدير خم، إذ أخذ بيد الإمام علي عليه السلام وقال: "اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار".

هذا الدعاء يحتاج إلى وقفة لأنه فيه أمر غير معتاد. المألوف هو تشبيه الحقّ بأنه هو القائد والناس يتبعونه، مثل قوله تعالى: "ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ"، أما في الحديث، أصبح عليّ عليه السلام هو القائد، والحق نفسه هو التابِع له.

هذا الأسلوب أقرب ما يكون إلى "التشبيه المقلوب"، وهو جعل المشبّه مشبهًا به، للاستغراق في المدح، كقول الشاعر:

وبدا الصّباح كأنّ غرّته ... وجه الخليفة حين يمتدح

ليوحي بذلك أن وجه الخليفة أكثر إشراقًا حتى من الصباح نفسه. وكلام المعصوم صلى الله عليه وسلّم ليس من قبيل المبالغة كشعر الشعراء، فهو لا ينطق عن الهوى، وإنّما لكي يدرك كل من بلغه هذا الحديث مقدار عليّ وأحقيته بالاتّباع. فإذا كان من لا يتّبع الحقّ سيُحشر يوم القيامة أعمى، فكيف بمن لا يتّبع إمام الحق وقائده؟

لكِن في واقع الأمر، حديث الموالاة على أهميته وعظمته وشدة وضوحه في تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام، فالالتزام به ليس سِوى وجه واحد فقط من العلاقة الواجبة علينا إزائه. يقول الله تعالى: "فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ"، أي إذا لم تكن سائرًا خلف الحق منصاعًا له، فليس هناك أي خيار آخر سوى أنك ضال، ليس في هذه المسألة حل وسط. أما المطلوب حقًا، بل والنتيجة الحتمية لمن عرف حقًا من هو عليّ، أن يعشق هذا الإنسان وأن يشتاق إليه بكل جوارحه.

هناك درجة "من كنت مولاه فعلي مولاه"، وهي الفيصل بين الإيمان والضلال

وهناك درجة "من أحبّه فقد أحبّني"، وهي الدرجة العليا والغاية المنشودة لأنها مُبرّأة من الخوف والطمع

وشتّان بين هذه وتلك...

العاشق للإمام يهفو قلبه إلى إنسان أقر له حتى أعداؤه بالفضل، وظلوا نحو قرنٍ من الزمان يجتهدون أشد الاجتهاد في محوها، فما زاده ذلك إلا رفعة وسموّا. رجل يتجاذبه ويتشرف بالانتساب إليه المقاتل مهما اشتد بأسه، والعالم مهما رجح عقله، والزاهد مهما عظم ورعه، والبليغ مهما فصح لسانه. مثال للكمالات الإنسانية جمِعت في شخص واحِد.

والعاشق للإمام إذ يعلم فضائله، فإنّه يعمل بعمله كي يكون محبًا صادقًا (إنّ المحِبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ). وعن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال لأحد أصحابه: "بلغ معاشر شيعتنا وقل لهم: لا تذهبن بكم المذاهب، فوالله لا تنال ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد في الدنيا، ومواساة الإخوان في الله، وليس من شيعتنا من يظلم الناس".

الحب كالإيمان، لو ظل في القلب فقط، فهو والعدم سواء. وعشّاق عليّ بن أبي طالب إذ يذكرون في كل عام مشهد اليدين الطاهرتين تعانقان السماء، يد النبي صلى الله عليه وآله ويد أخيه عليه السلام، وإذ يجددون عهد الولاية، فجديرٌ بهم أن يستعيدوا أيضًا وصية الإمام: "أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد" لكي نلقاه يوم العَرض وقد حملنا رسالته، وعشنا كما كان يحبّ أن تعيش شيعته، ودُرنا معه حيث دار.

 

تاريخ النشر 15-06-2025
اقتباسات أخرى ذات صلة