التضييق الذي يتعرض له المحتوى المقـ/وم من حذف متكرر وتقييد وصول يشكل معركة قاسية وعنيفة على الوعي. ولذلك نبه السيد الأمين وقال: «إن جهاد التبيين -في هذا الزمان- أمرٌ حتميّ، أمرٌ واجب وضروريّ، وأمرٌ فوريّ أيضاً، ولازمٌ، غير قابل للتأجيل والتأخير بِسبب طبيعة المسؤوليّات والمهامّ والتحدّيات والمخاطر. وهو أيضاً واجب على الجميع، إذ إنّه ليس واجباً كفائيّاً؛ يجب أن يقوم به الجميع، كلّ بِحسب طاقته وقدرته، مِثل الصلاة الواجبة تماماً، بحيث إنّها لَو قام بها بعضهم لم تسقط عن بعضهم الآخر. جهاد التبيين الآن واجب على الجميع».
وجهاد التبيين هذا هو جهاد كبير. قال تعالى: {وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً}
المقصود من الجهاد في هذه الآية هو الجهاد الفكري والثقافي والتبليغي وليس الجهاد المسلح، «ذلك لأنّ هذه السورة مكية، والأمر بالجهاد المسلح لم يكن قد نزل في مكّة. وهذه الآية دليل واضح علی أنّ الجهاد الفكري والتبليغي في تبيين الحق والرد على شبهات الأعداء ومواجهة وساوس المضلين من أكبر أنواع الجهاد» (تفسير النور).
بل إنّ بيان الحقّ كان الوظيفة الأساس للأنبياء والرسل. يقول تعالى:
{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانٍ قَوْمِهِ، لِيُبَيِّنَ لَهُم}
{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}
{فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}
إن الأنبياء في القرآن عمومهم مجاهدين بالكلمة، وكل ما ذكر من قتال النبي عليه وآله الصلاة والسلام شيء بسيط مقارنة بما حُكي لنا عن حواره وتكذيب قومه والجدل معهم. «بل إنّ أغلب الأئمّة لم يجاهدوا ويقاتلوا بالسيف، بل كان جهادُهم جهادَ التبيين والتنوير» يبينون الحقائق والمعارف ويرفعون الغشاوة عن عيون الناس وبصائرهم.
يقول السيد «إذا دخلنا معركة جهاد التبيين سننجح في تحصين ساحتنا ما أمكن؛ لأنّ الناس تريد الحقّ، ولديها طيبة وصدق. ولكن أحياناً يمارَس التضليل ضدّها، وتُخفى الحقائق عنها، فَتأخذ بِالشائعات وكذلك نقوّي بيئتنا وأمّتنا في المعركة مع العدو. و إنّ الحدّ الأدنى مِن نتائج جهاد التبيين إقامة الحجّة وإتمامها على الناس كلّهم، فَلا يستطيع أحدٌ أن يقول: لم توضّحوا أو تبيّنوا لنا».



