A journey inside the dogmatic mind
جولة في العقل المتحجّر

مقتطفات من مقالة بعنوان "جولة في العقل المتحجر" للدكتور عيد المطيري (الوطن، تاريخ النشر 13-6-2007):

المصطلح العلمي للعقل الذي سنتحدث عنه هنا هو العقل “الدوغمائي” أي العقل الوثوقي الذي يثق في معرفته ثقة تمنعه من اكتشاف نواقص هذه المعرفة أو التغيرات التي تجري عليها وحولها مع مرور الزمن.

وصف هذا العقل بالتحجر هو بسبب أنه يأخذ الكثير من صفات الحجر. فهو يأخذ من الحجر انغلاقه وصلابته وجموده.
 
العقل الدوغمائي وآلية عمله واحدة مهما اختلفت العقيدة أو الأيديولوجية التي يتبناها.
 
من أهم من درس العقلية الدوغمائية المفكر الأمريكي "ميلتون روكيش". المقال يعتمد بشكل أساسي على آرائه كما عرضها هاشم صالح في مقدمته لكتاب محمد أركون ”الفكر الإسلامي… قراءة علمية”.

العقلية الدوغمائية ترتكز أساسا على ثنائية ضدية حادة هي : نظام من الإيمان أو العقائد/ونظام من اللاإيمان و اللاعقائد”. ويرى روكس أننا يمكن أن نحدد درجة دوغمائية عقل ما بناء على مجموعة من المعايير أهمها ما يلي:

أولاً: حدة فصل العقل الدوغمائي بين المعتقدات التي يقتنع بها والمعتقدات التي يرفضها. من أجل أن يحافظ العقل الدوغمائي على هذا الفصل الحاد فإنه يؤكد باستمرار على الخلافات بينه وبين المخالفين له، أغلب خطابه يوجه لتحقيق هذا الهدف مما يضمن له عمليا تجييش أتباعه معه باستمرار. أيضا يهاجم هذا العقل أية محاولة للتقريب والحوار بين الطرفين لأن هذا الحوار كفيل بكشف نقاط تقاطع بين المتحاورين ستؤدي إلى إحداث نوع من التقارب بينهما وهذا ما يخشاه العقل المتحجّر.

ثانيًا: من معايير العقل المتحجر أنه لا يميّز بين العقائد والأفكار التي يرفضها. فهو يضعها في سلّة واحدة هي سلّة الخطأ والضلال دون أن يكلّف نفسه بالبحث في نقاط التقاء وتقارب مع الأفكار المخالفة.

ثالثًا: من معايير انغلاق عقل ما تكاثر المسلمات في منظومته الفكرية. تتوالد هذه المسلمات باستمرار لتقفل كل منفذ هواء للاجتهاد والتفكير. تجد أن التفاسير والفتاوى تتحول من كونها اجتهادات بشر تقبل الصواب والخطأ إلى كونها مسلمات لا يجوز المساس بها ومن اقترب منها تعرّض لأصناف الهجوم من تكفير وتفسيق وتضليل وغيرها من أدوات الإقصاء.

رابعًا: يزداد انغلاق عقل ما كلما توقف عند لحظة زمنية محددة وتشبث بها فكريًا وروحيًا مما يجعله لا يعيش واقعه ولا يفكر من خلاله. العقل المنغلق لا يعترف بتغير الأزمان والظروف لأن من صفاته الثبات والاستقرار بينما منطق الحياة الحركة والتغير والتحول.

تاريخ النشر 26-12-2021