الاستقلال الفكري هو القدرة على تكوين - عبر التفكير والبحث والتقصي - رأي خاص بإزاء أمر ما.
تكوين الآراء بشكل مستقل لا يعني صحّة هذه الآراء ورزانتها، كل ما يعنيه الاستقلال هنا هو أن هذا الشخص يقول رأيه هو ولا يكرر أو يقلد آراء غيره أو الرأي العام الذي استقر عليه الأكثرية من حوله.
أن تكون مستقلاً فكرياً ليس أمراً سهلاً أو فطرياً لأن عملية التربية التي يخضع لها الإنسان منذ مولده من قبل الأسرة، المدرسة، الإعلام وجهات أخرى يحتك بها إنما يكون الهدف منها هو تزويده «بالعُدّة الفكرية» اللازمة - معايير أخلاقية، تصورات كونية، قيم، معلومات وسرديات تاريخية... إلخ - لتجعله مؤهلاً عند كبره للتعامل مع أحداث الحياة اليومية بكفاءة.
هذه «العُدة الفكرية» التي تم تزويده بها أكثر من كافية لتبرير الأحداث الروتينية والتكيف معها والعيش من خلالها. ولكن الأزمة تكمن عندما يتعرض الإنسان الى أحداث كبيرة وغريبة واستثنائية تشعره بالقلق وتثير دهشته واستغرابه (وعالمنا لا يخلو من هذه الأحداث!). السؤال حينها: كيف يتعامل الإنسان مع هذه الأحداث؟ هل يقحمها بشكل مجهد ضمن تصنيفات وتقويمات تلك العُدة الفكرية التي ورث معظمها بدون عناء التفكير أو يكابد عناء البحث والتقصي والتفكير ليتوصل الى رأي مستقل قادر على مناقشته وإيراد المبررات التي دفعته إلى تبنيه؟
طبعاً عناء البحث والتقصي يعني البحث على أسس علمية للتوصّل إلى استنتاج موضوعي لا التفتيش عن حجج ومبررات لدعم أحكام جاهزة لديك.
أن لا تكون مستقل فكرياً يعني أن تتبع «عقلية القطيع» وهي ذلك الميل السلوكي عند الأفراد لاتباع ايديولوجيا ثابتة أو رأي الجماعة التي ينتمون إليها. هؤلاء الأفراد يتقيدون بشكل تام بالـ«الحقيقة» التي تقدمها لهم تلك الأيديولوجيا أو الجماعة.
في المقابل، ما يعنيه استقلال الفكر هو عدم التقيّد بمنظومة فكرية واحدة والجمود عليها. وهذه النزعة للاستقلال لدى الإنسان تجعل من الصعب تجنيده أو تأطيره أيديولوجياً أو حزبياً.
من يذوق تجربة التفكير وتكوين الآراء، فإنه يعلم أن هذه الآراء قابلة للتغير وليست حقائق ثابتة ولهذا تجده يحاور الآخرين من أجل امتحان متانة آرائه وتطويرها أو حتى تغييرها.
.
————————
المصدر: ملخص ومقتبس من مقالة ماذا يعني «الاستقلال الفكري» ؟ لسلطان العامر