Conceptual Art
الفن المفاهيمي

"كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة".
.
تلك هي إحدى أشهر عبارات علم التصوف الإسلامي. عبارةٌ على قصرها تختزن كمًا هائلا مِن الدلالات، وبقوة صيغتها البلاغيّة الجزلة لخصت مُعاناة العارف المُدرك- ألم المعرفة الذي يستعصي على الصياغة فتضيق به الكلمات.
.
سعة الرؤية وضيق العبارة هذان المعنيان بعينهما هما جوهر الفن المفاهيمي.
.
يعتمد الفن المفاهيمي في جوهره على الفكرة كعنصر أساسي يقوم عليه العمل الفني ويكون لها الأسبقية في التمثيل على أي عناصر جمالية أخرى للعمل. فالأولى بالطرح والمناقشة هي الفكرة. الفكرة هنا هي موضوع العمل الفني، على عكس كافة مدارس الفن التشكيلي، المفاهيمية لا تهتم بتمثيل بشر أو مشاهد طبيعية أو لحظات الحياة اليومية أو ما إلى ذلك مِن المواضيع. الفكرة هي الهدف وهي الموضوع.
.
وعليه، يُمكن القول إن المفاهيمية هي الحقل الفني الذي ربط الفن بالفلسفة، من حيث أنها تتناول في المقام الأول الحياة والإنسان وقضاياه الوجودية مِن منظور فكري فلسفي.

اتسمت المفاهيمية أيضًا باستخدام أقل عدد ممكن من العناصر لتوصيل الفكرة، فاعتمدوا التبسيط أو التصغير، فظهر توجه جديد داخل المفاهيمية نفسها عُرف بـ "التصغيرية (Minimalism)" وهو التعبير عن الفكرة باستخدام أقل عدد ممكن من الكلمات والأدوات في العمل الفني. خطوط بسيطة قد تكشف مفاهيم عميقة.
.
ينطلق الفن المفاهيمي من هذا السؤال: ما الذي قد يحتاجه العالم، بعد كل الحروب و الكوارث التي يمر بها؟ مزيد من الرسم أم بعض الفحص والتفكيك؟ هكذا تجردت المفاهيميّة من كافة سمات الفن التشكيلي التقليدية، وفضلت التصغيرية الفاضحة.
.
في ديوانه "لا تعتذر عما فعلت"، يورد الشاعر الفلسطيني محمود درويش عبارة قد تكون هي الأنسب في شرح سياسة الفن المفاهيمي، الفن الزاهد في كل شيء: "لي حكمة المحكومِ بالإعدام: لا أشياء أملكها لتملكني." التخلص مِن ثقل العناصر في اللوحات والالتزام بأقل عدد ممكن من الكلمات للتعبير عن أثقل التساؤلات؛ لأن كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة.
.
المصدر : ملخص مقالة "ما هو الفن المفاهيمي" لهند مسعد (ميدان - موقع الجزيرة . نت)

تاريخ النشر 11-06-2019