السيّد: التهيئة للحقيقة وقفزة الوعيّ
الحقيقة مطلبٌ شغل الإنسان منذ فجر التاريخ، وما أكثر الذين يعتقدون أنها بحوزتهم، حتى إذا ما رامها أحدهم تعذّرت عليه.
الانشغال بالتنظير للحقيقة قد يُنسي الحقيقة ذاتها في مرحلة ما ويُضفي شوائب وأشياء زائدة عليها، لأن فهم الإنسان قاصر نسبيّ ويتعدد تأويله كلما وقع على ذات المفهوم، من هنا كان بعث الأنبياء حُجةً على بني البشر، فهم معصومون عصمة عقلية تجعلهم يرون الحقيقة كما هي، العصمة تعني أن النبيّ يمتلك فهمًا لأيّ مسألة تجعله يرتقي على سائر البشر ولا يصل إليه أحد، إنه لقولّ فصل.
وحتى يُبلّغ الرسول الحقيقة للإنسان ليعصمه من الضلال لا بد من عملية ارتقاء للوعي، ذلك لأن الأهم من الحقيقة هو كيفية التعامل معها وتقبّلها، هكذا كان رسول الله وأهل بيته، وهكذا سيكون المهديّ الموعود.
مع طيّ التاريخ وصولًا ليومنا هذا، فإنّ الامتحان الكبير بشهادة السيّد حسن يكمن في كيفية تعاملنا مع استمرار تلك المهمة، هل ستبقى عقولنا تنشد بشهـ/ادته ودمه الكمال ونظام العدل الإلهيّ الذي سيسود العالم؟ أم سنضعف وننهار ونسلّم للمستكبرين بنظامهم الحاليّ؟ فكان لا بد من الغربلة، تخيّل معي لو كان الشكل الماديّ للعالم اليوم مُستقرًا، وكنا نحن المحمديين لا نعاني من شيء، فما الحاجة حينئذ لوجود المهدي ونظام عالميّ جديد؟ هذه المعاناة وهذا الألم وهذا التعب يُولّد توقًا عند المقهور ليقبل بوجود مخلّص، حتى يقول: من ينجّينا؟ من يدفع عنا؟ هذا الانشداد نحو الخلاص والكمال ونصرة المستضعف هو تمام تغيير الوعي للتقبل والترحيب بالإمام المهدي ( كنتَ من القائلين أنه وُلد أو سيولد) وأنا لم أشعر في لحظة من حياتي أني اقتربت كثيرًا من فهم المهديّ إلّا بعد شهادة السيّد.
وكما يا سيّدنا كان جدك عليّ باب مدينة علم النبي ومن كل باب ينفتح ألف باب، فإن لشهـ/ادتك ألف سر ومن كل سر ألف غيره، كنتَ جامعًا في شخصيتك سر كل الأولياء، بين جهاد الحسن وثورة الحسين، فلولا نجاح جهاد تبيين الحسن لما قامت ثورة الحسين، وإنك ارتضيتَ كجدك الحسن أن يصفوك بما يصفوك لأجل أداء التكليف حفاظًا على " بيضة الإسلام" ثم عمّدت تبيينك بالدم في كربلاء الضاحية كجدك الحسين، شاهرًا سيفك، مُجردًا قناتك، مُخضّبًا بدمك، أمّا نحن في أربعينك فحنجرة العليل التي حسمت المعركة، يوم نادى المؤذن بأن أشهد أن محمدًا رسول الله: "محمّدٌ هذا جَدّي أم جَدُّك يا يزيد؟ فإن زعمتَ أنّه جَدُّك فقد كذبتَ وكفرت" وإننا أمّة ستنتصر بصوتك أو دمك، لأننا أمّة أنتَ فينا نصر الله.